مع صُدُور النظام الأساسي للدولة بمُوجب المرسُوم
السلطاني رقم 101/96، بدأت مسيرة التنمية الإنسانية في عُمان مرحلة جديدة؛ فقد
أرسى النظام الأساسي للدولة دعائم الدولة العصرية، وأسهم في ترسيخ وتدعيم دولة
القانُون والمُؤسسات، وأصبح القاعدة الرئيسية التي يرتكز عليها نظام الدولة
القانُوني، والمرجع الأساسي لكافة القوانين والسياسات العامة.
كما وضع النظام الأساسي للدولة أسسًا راسخة ومبادئ
مُحددة لشكل الدولة وسُلُطاتها العامة، ونظام الحكم القائم في السلطنة، الذي يقوم
على أساس العدل والشُورى والمُساواة. وهُو في نفس الوقت يُمثل الإطار المرجعي الذي
يحكُم عمل السُلُطات المُختلفة ويفصل فيما بينها، وتستمد منه أجهزةُ الدولة
المُختلفة (الجهاز المدني، جهاز الأمن، الجهاز العسكري) أسس ونطاق عملها، ويُوفر
أقصى حماية وضمانات للحفاظ على حُرية الفرد وكرامته وحُقُوقه، ويُحدد المبادئ
العامة لسياسة الدولة في مُختلف المجالات، وكذلك الواجبات العامة للأفراد وحقوقهم.
ومع صُدُور النظام الأساسي للدولة أيضًا، دخلت
السلطنة مرحلة مُهمة أكثر تقدمًا في التطوير لدولة حديثة وعصرية ترتكزُ على
المُؤسسات وقيم العدل والمُساواة وحُكم وسيادة القانُون وترسيخ مفهُوم المُواطنة
واحترام حُقُوقها وتكافُؤ الفُرص للجميع، وترسيخ مبدأ المُشاركة الوطنية
للمُواطنين في الشؤون العامة، من خلال تثبيت دعائم الشورى الصحيحة والراسخة،
والنابعة من تُراث الوطن وقيمه وشريعته الإسلامية، آخذةً بالمُفيد من أساليب
وأدوات العصر.
وضمن هذا الإطار، فقد أخذت تجربة الشورى في عُمان -سواء
من حيث المُمارسة، أو أطرها التنظيمية- مسارًا متناميًا طوال عهد النهضة
المُباركة، وأخذت في تطبيقها أساليب مُختلفة، واتسمت بالتطوير والتجديد عبر مراحل
مُتعاقبة، ووفق تدرج واقعي ومدرُوس من قبل القيادة الحكيمة، وعلى أُسس ثابتة
وراسخة، مُستمدة من واقع الحياة وظرُوف المُجتمع العُماني ومُتطلبات التنمية، وُصُولا
إلى مرحلة الانتخابات المُباشرة لكافة أعضاء مجلس الشورى من جانب المُواطنين في
الولايات؛ وذلك وفق قواعد وأسس مُحددة ومُعلنة، تتمتع فيها المرأة العُمانية بحق
الانتخاب والترشح على قدم المُساواة مع الرجُل لعُضوية المجلس.
كما شهدت السلطنة في هذه المرحلة من مسيرة التنمية
الإنسانية نقلة نوعية في إصدار وتعديل وتطوير القوانين والتشريعات والأنظمة، بما
يتفق مع النظام الأساسي للدولة وترسيخ مبادئ الدولة العصرية، وكان على رأسها
صُدُور قانُون السُلطة القضائية الصادر بموجب المرسُوم السلطاني رقم 90/99، وإنشاء
المجلس الأعلى للقضاء، وتكامل منظومة القضاء العُماني تنظيميا وقانُونيا. كما شهدت
هذه المرحلة تطور الجهاز الإداري للدولة وإعادة الهيكلة والتنظيم لعدد من الأجهزة
الحُكُومية القائمة؛ وذلك بهدف الارتقاء بمُستوى الخدمات التي يقدمها للمُواطنين.
وإضافة إلى ذلك، شرعت الدولة في تعزيز وزيادة
اهتمامها بتنمية الموارد البشرية التي هي أساس التنمية المُستدامة وعمادها،
مُرتكزة في ذلك على العمل المؤسسي وسيادة القانُون وتكامل الأدوار بين الحُكُومة
والمُواطن وكافة القوى الفاعلة في البلاد، وعملت على بناء وتعزيز ورقي الاقتصاد
الوطني القائم على العدالة والتعاوُن البناء والمثمر مع النشاط العام؛ كونه شريكًا
أساسيا في تحقيق التنمية الشاملة والمُستدامة، إلى جانب الحُكُومة والقطاع الأهلي.
كما ركزت مسيرة التنمية على تطوير وتشجيع مُؤسسات
المُجتمع المدني؛ إدراكًا للدور المُهم الذي تقُوم به في خدمة المُجتمع، ولكونها
تُشكل إحدى مُقومات الدولة العصرية، وأصبحت تلعب دورا أساسيا ورئيسيا مع الحُكُومة
في رسم وتنفيذ السياسات العامة والخُطط التنموية. كما أن ذلك التوجه يعد تواصلا مع
التراث العُماني العريق الذي عرف مُنذ آلاف السنين أشكالًا من المُمارسات التي تقُوم
على التكافل والتعاوُن بين مُختلف شرائح المُجتمع، ويأتي على رأسها: نظام الوقف، ونظام
الأفلاج، وتعاوُنيات أصحاب المهن والحرف التقليدية، والعديد من اللجان الأهلية
الأخرى.
وقد أكد جلالة السلطان المُعظم في أكثر من مناسبة
على أهمية مشاركة وتعاوُن القطاعين الحُكُومي والأهلي، وكذلك القطاع الخاص؛ بما
يخدم أهداف التنمية الشاملة. حيث يقول جلالته -حفظه اللهُ وأبقاه- عام 1998م؛ بمُناسبة
عام القطاع الخاص: "إن نجاح أية تنمية، وإنجازها لمقاصدها، إنما هو عمل مشترك
بين أطراف ثلاثة: الحُكُومة، والقطاع الخاص، والمُواطنين. وعلى كل طرف من هذه الأطراف
أن يتحمل واجباته بروح المسؤُولية، التي لا ترقى الأمم في درجات التقدم والتطور
إلا إذا تحلت بها، ولا تهوى في دركات التخلف والتأخر إلا إذا تخلت عنها"، وقد
عمل جلالته -حفظه اللهُ- مُنذ انطلاقة النهضة المُباركة على تثبيت حُكم ديمقراطي
عادل في إطار واقعنا العُماني العربي، وحسب تقاليد وعادات مُجتمعنا، وفي ضوء
تعاليم الدين الإسلامي.