تُنادي نظريات الإدارة الحديثة، اليوم، بما يُعرف
بمُصطلح التمكين في الإدارة ووظائفها، وهُو من المفاهيم الإدارية المُعاصرة، وأصبح
يُشكل اهتمامًا كبيرًا من قبل عُلماء الإدارة والعاملين فيها، بل أصبح محل جدال
بين عُلماء علم الاجتماع والمهتمين بحُقُوق الإنسان والتنمية الإنسانية بمفهُومها
الواسع.
فمنهُم من يُنادي بتمكين النساء ودمجهن في عملية
التنمية، ومنهُم من يُطالب بتمكين الشباب بما يُسهم في تعزيز التنمية المُستدامة،
ومنهُم من يُطالب بحُرية التعبير والإبداع المُنضبطة بالقيم الأصيلة بما يُعرف بالتمكين
المُجتمعي، وهي مفاهيم وأُطر عامة بما يُطلق عليه اليوم مفهُوم التمكين في الحياة.
والتمكين في حقيقته من مفاهيم الإدارة في الإسلام،
وليس كما يدعيه البعضُ بأنه من المُصطلحات والمفاهيم الحديثة. فقد وردت كلمة التمكين
بمُشتقاتها في مواضع عديدة في القرآن الكريم، فالله وحده من يُمكن الإنسان، وهُناك
علاقة ارتباطيه وثيقة بين مفهُوم التمكين والاستخلاف في الأرض، يقول تعالى: "ولقد
مكناكم في الأرض وجعلنا لكُم فيها معايش قليلًا ما تشكُرُون)، وهُناك من الدلائل
الكثيرة في قصة سيدنا يُوسف -عليه السلام- وتمكين الله له في الأرض. إذن، التمكين مفهُومٌ
إسلامي يضمن الأمن النفسي والروحي للإنسان ببُعديهما المادي والروحي.
ويُعتبر التمكين في الإدارة الحديثة عامل حفز
ودافعية تجاه التطوير والتحسين المُستمر بأفضل مُستوى من الكفاءة والفاعلية للأداء،
ويُسهم في تمكين الإنسان وتفعيل قُدراته الذاتية لمزيد من الإبداع والابتكار؛ بما
يُسهم في تحسين كفاءة العمل، ومن ثم تحسين جودة الحياة.
ويُسهم التمكين في الارتقاء بالعُنصر البشري، ويُساعد
على غرس الثقة بالنفس ويُشجع على التفكير الإيجابي والمُبادرة في تطوير العمل،
إضافة إلى تحقيق الانتماء والولاء للمُنظمة، والرضا الوظيفي، وزيادة الإنتاجية،
والمشاركة الفاعلة تجاه تحقيق أهداف المنظمة وغاياتها، ويُسهم في خلق بيئة عمل مُشجعة
وداعمة للتفكير الإستراتيجي على مُستوى الأفراد. والتمكين أيضًا يُساعد على إلغاء
أو الحد من الممارسات البيروقراطية التقليدية في الإدارة، والتي تقُوم على الشك أو
الظن وعدم الثقة في المُوظف، وتتجاهل حُقُوقه وحاجاته.
إذن، التمكين في الإدارة يُتيح للمُوظف نوعًا من
الاستقلالية والمُشاركة الفاعلة في اتخاذ القرارات التي تمس صميم عمله، ومُعالجة
المشاكل الروتينية التي يُواجهها أثناء مُمارسة إجراءات العمل، بعيدًا عن
التعليمات الجامدة والرقابة غير المُبررة التي تخلق ما يُسمى الإدارة بالخوف،
والتي تحد من الاستفادة في استثمار القُدرات الكامنة للإنسان.
ومن أراد أن يعتبر يتمعن في الحُوار الذي دار بين
رسول الله صلى الله عليه وسلم ومُعاذ بن جبل عندما اختاره لمُهمة القضاء في اليمن:
"كيف تقضي إذا عُرض لك قضاء"، قال: "أقضي بكتاب الله"، قال: "فإن
لم تجد في كتاب الله"، قال: "فبسُنة رسول الله"، قال: "فإن لم
تجد في سنة رسول الله، ولا في كتاب الله"، قال: "أجتهد رأيي"، فضرب
رسولُ الله صدره، وقال: "الحمدُ لله الذي وفق رسول رسول الله لما يُرضي رسول
الله".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.