الإدارة بالمُشاركة هي إحدى الاتجاهات المُعاصرة
في إدارة الموارد البشرية، وقد حث عليها الدينُ الإسلامي قبل النظريات الإدارية
الحديثة، ويتجسد ذلك في أهمية الشورى، وحُرية الرأي والفكر والمُشاركة في الشأن
العام.
ولنا أن نتأمل في قصة نبي الله سُليمان عليه السلام،
وأُسلوب إدارته ودعوته لملكة سبأ، وكذلك التصرف الذي قامت به ملكة سبأ عند تلقيها
الكتاب من النبي سُليمان عليه السلام، وإشراك قومها في الأمر، وتفويضهم لها في اتخاذ
القرار النهائي، بعد تقديم رأيهم في الموضُوع.
كما كان الرسُول -صلى الله عليه وسلم- حريصًا على
تطبيق هذا الأسلُوب من الإدارة، حيث كان يأخُذ برأي أصحابه في التخطيط والتدبير
ويستمع لنُصحهم، وتُؤكد السيرة النبوية للمصطفي -صلى اللهُ عليه وسلم- على الكثير
من المواقف التي يُشرك فيها أصحابه بالرأي والمشُورة حتى في أخطر القضايا، لا سيما
الغزوات.
فقد أخذ عليه السلام برأي سلمان الفارسي بحفر
الخندق حول المدينة في غزوة الخندق. واستشار زوجته خديجة في شأن ما نزل عليه في
غار حراء، وأخذ أيضًا بمشُورة زوجه أم سلمة في أحداث صُلح الحُديبية.
يقُول الصحابي الجليل أبو هريرة -رضي الله عنه:
"ما رأيت أكثر مُشاورة لأصحابه من رسُول الله صلى الله عليه وسلم"،
ويقول العلامة ابن تيمية رحمه الله: "ما ندم من استخار الخالق، وشاور المخلُوقين،
وتثبت في أمره".
وبحيث أن الإدارة تعمل على الاستخدام الكُفء
والفعال للموارد لتحقيق أهداف المُنظمة، فإن مُشاركة العاملين في جميع مراحل العمل
والقرارات التي تتخذُها الإدارة لتحقيق أهدافها، يُشكل تفاعلًا إيجابيا واستخدامًا
أمثل لقُدرات ومهارات العاملين؛ مما يُسهم في خلق رُوح التعاوُن والشعُور
بالمسؤُولية، وتوفير مناخ للإبداع والابتكار والعمل الجماعي، وتحسين الإنتاجية
وجودة الأداء.كما أن ذلك يُشجع على المُبادرة في التطوير والتجديد في أساليب العمل
بما يتوافق مع التطورات المُتلاحقة ومُتطلبات سُوق العمل، وُصُولًا إلى تحقيق
الأهداف بكفاءة وفاعلية.
وتُسهم الإدارة بالمُشاركة أيضًا في تدعيم مشاعر
الارتباط والولاء للمُنظمة، وتعزيز العلاقة القائمة بين الإدارة والعاملين، وغرس
الثقة في قُدراتهم؛ من خلال اهتمام الإدارة بالاستفادة من اقتراحاتهم، والتي تُؤدي
إلى إصدار قرارات مُقنعة يسهُل تنفيذها من قبلهم؛ كونهم شاركُوا في صُنعها،
بالإضافة إلى صياغة سياسات واضحة ومُتكاملة وفاعلة يعمل الجميع على تنفيذها.
وتتميز الإدارة اليابانية بهذا النهج، والمُرتبط
بنظام الرنجي المعروف لديهم لاتخاذ القرارات، والذي يقضي بضرُورة مُشاركة جميع المُستويات
الإدارية في اتخاذ القرارات؛ حيث تتم صياغة مُسودة مشرُوع القرار أو صناعته من
قاعدة الهرم في المُنظمة حتى تصل إلى قمته لإقرارها.كما تُمثل فكرة حلقات الجودة
اليابانية أحد الأساليب الحديثة للإدارة بالمُشاركة، ومن بين أبرز إنجازات الإدارة
اليابانية في قُدرتها وفاعليتها على تحقيق أهداف الإنتاجية، وتحسين الجودة من خلال
تنمية وتطوير العاملين بالمنظمة.
هذا.. وقد أصبحت الإدارة بالمشاركة اليوم مطلبا مُهما
في كافة المُؤسسات مهما كانت أغراضُها، ونُؤكد على أهمية تطبيقها في إدارة مُنظمات
المُجتمع المدني، التي تعتمد على العمل التطوعي، خاصة في الأندية والجمعيات الأهلية.
وعلى العُمُوم، فإن استخدام الإدارة بالمُشاركة يتطلب
توافُر سمات شخصية لدى المرُؤُوسين، ومناخ تنظيمي يُساعد على تطبيق هذا النهج في
الإدارة، وعلى رأسها قناعة الإدارة العُليا بأهميتها وجدوى تطبيقها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.