الأربعاء، 4 مارس 2015

الصناعات الحرفية وأهميتها المُستقبلية

مُنذ سنوات، كُنت في مصر العروبة والتاريخ، شدَّ انتباهي بعض التحف المصرية، إلا أنَّ هُناك ثمة تغيُّرًا في تلك الصناعات الحرفية، وعند سُؤالي عن سبب هذا التغير، قال لي أحد المصريين: "إنها العولمة والانفتاح التجاري حول العالم، تِصدَّق يا عم، حتى إنَّ الفوانيس المصرية التي تشتهرُ بها مصر مُنذ آلاف السنين، هي اليوم مُستوردة من الصين (أخذ أحد الفوانيس) انظر يا عم واسمع"، وإذا بكلمات كان يُردِّدها الأطفال في استقبال شهر رمضان، تمَّ تسجيلها وتنزيلها في الفانوس، الذي تم تطويره ليعمل بالبطارية؛ سواءً كان في إضاءة الفانوس، أو تشغيل صوت الأناشيد الخاصة بالأطفال.
يُخبِرني أحدُ الأصدقاء من سُكان الصحراء في إحدى الدول الخليجية، بأنَّه تفاجَأ بزيارة أحد الأشخاص من الدول الآسيوية، وكان يُكثر من السؤال عن الأدوات التي يستخدمها سُكان الصحراء، ويَرْسِم تلك الأدوات في دفتر يحمله، وبعد أشهر وإذا بتلك الأدوات في أسواقهم المحلية طِبْق الأصل مع الأدوات المحلية، لكنها صُنِعَت بمواد جديدة.
يُخْبِرني أيضًا أحدُ الشخصيات الثرية بأنَّ أحد الأطباء نصحه بضرُورة الابتعاد عن مياه الثلاجة، لظرُوف يُعانيها، وذهب إلى نزوى واشترى جحلة مصنُوعة من الطين العُماني، ووضَعَها في المنزل وأخذ يشرب منها الماء يوميًّا، يقول لي: "تصدق بأن المياه التي تشربها من الجحلة لها طعم آخر، لا تضاهيه مياه مبردة في أرقى ثلاجة في العالم".
هُنَا في قُريات، كانت عِدَّة مصانع للنسيج، في صياء والمزارع والمعلاة، كانت كارجة المعلاة أشهرها على الإطلاق، ولها صِيت على مُستوى عُمان، يُصنَع فيها كافة أنواع المنسوجات كالوزرة والعمائم وكافة أنواع الأقمشة... وغيرها.
أتذكَّر قديمًا ذلك التمسُّك بتلك الكارجة.. الشخص الذي ترونه في الصورة عندما طلبنا منه المُشاركة في القرية التراثية في العام 1993م، أبى إلا وأن يقتلع كارجته لينقلها إلى ساحة العرض، ليشرح للزائرين أهمية هذه المهنة، كَمْ كانَ وفيُّا لمهنته، رحمه الله برحمته الواسعة.
تِلك الكارجة في المعلاة.. تعوَّد السكان على سماع صوتها الموسيقي في كل نهار، لقد توقَّفت تلك الألحان الآن، واختفتْ تلك المناظر الجميلة للخيوط الممدُودة بألوانها الزاهية، وأصبحتْ اليوم من الذاكرة، توقف الجميع عن مُمارسة هذه المهنة، وعندما تسأل أصحابها عن السبب، تسمع الرد: ما الفائدة؟ الوزار الذي نصنعه محليًّا يُكلفنا أكثر من خمسة ريالات، بينما هُناك في السوق الوزرة المستوردة من الهند والصين تُباع بريال وريالين، وَتَسْمع أيضا: جيل اليوم ما حال هذه الشغلة المتعبة.
مَا أردتُ قوله من تلك المقدمة، أنَّ الحِرف التقليدية هي تاريخ مادي وفكري لأهل عُمان، وعملية المُحافظة عليها هي مسؤُولية جماعية يتحمَّلها الجميع -حُكُومة، قطاعا خاصا، مُجتمعا- هُناك جُهُود كبيرة تقوم بها الهيئة العامة للصناعات الحرفية، إلا أنَّ هُناك تراجعًا كبيرًا في تنمية هذه الصناعات؛ بسبب ترفُّع الكثير عن ممارستها؛ بحُجة أنها ليست ذات مردُود اقتصادي.
الكثير من الصِّناعات الحرفية، اليوم، تُدار من قبل يد وافدة، ومن أراد معرفة ذلك فعليه زيارة سوق مطرح القديم، الوافدون يتحكَّمون في إدارة وتسويق الكثير من المُنتجات والمصنُوعات الحرفية بطريقة غير صحيحة، بل يُوصلون معلُومات خاطئة عن استخدامات وتاريخ هذه المُنتجات للسياح.
هَذَا الأمر يحتاج إلى وقفة جادة ودراسة متعمقة، وهو أمر في غاية الأهمية، كما أنَّ وُجُود مركز تطوير لهذه الصناعات، وكذلك إستراتيجية وطنية لتسويق هذه الحرف محليًّا وإقليميًّا وعالميًّا، وربط هذه الحرف بمناهجنا الدراسية في مُختلف المراحل التعليمية أصبح ضرُورة ملحة للمُحافظة على حرفنا الوطنية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.