زَمان، كانت تُقلى القهوة في المحماس، على نار
طبيعية في الموقد، وتقلَّب بعود خشب أو بحديدة (مقلاب)، وتَسْمَع ذلك الصوت الجميل
لحركة ذلك العود في المحماس، وتشمُّ ذلك العبق الجميل لرائحة القهوة.
تُطْحَن القهوة في موقعة، أو هاون، مصنُوعة من
الحديد، وهي أيضًا لها نغمات وإيقاعات فريدة مع كلِّ ضربة بالسفن، بعدها ظهرتْ آلة
حديدية تُسمى مطحنة (تظهر في الصورة بين السراجين) في الروزنة، كانت تُدَار باليد،
ولها أيضًا صَوت جميل مع كل تدويرة من مقبضها، يتم تلقيمُها القهوة من فتحة في
الأعلى، لتلفظها من أحد جانبيها كبودرة ناعمة.
ومِن ثَمَّ تُطبخ القهوة على نار هادئة، وتضاف
القهوة -وإضافة بودرة القهوة إلى الماء المغلي تُسمى "تعشي القهوة"- ومن
ثمَّ تُسكب في الدلة، وما يتبقَّى من بقايا القهوة تُسمى "خمرة"، كانت
قديمًا تضاف إلى الماء الذي يُغلى فيه القهوة في اليوم التالي.
وللقهوة أنواع؛ منها: عدينية وسيلانية، ولتقديمها
طقوسٌ وعادات عند أهل عُمان، وعادة ما يتولى صغار السن تقديم القهوة، ويسمى ذلك "تغنيم
القهوة"، ومن عادات القهوة أن تُقدَّم بعد السؤال عن العلوم والأخبار، وفي
بعض الولايات يكُون السؤال عن العلوم والأخبار بعد القهوة.
ومِن العادات أيضًا: لا يُمكن أن يخرج أحد من
المجلس إلا بطياح القهوة؛ أي بعد الانتهاء من تقديم القهوة لجميع الحاضرين، وإذا
اضَّطر أحد للخروج، فعليه الاستئذان من القائم بتغنيم القهوة وصاحب المجلس.
ويُسكَب للضيف احتياجه من فناجيْ القهوة، دُون تحديد،
وعادة تكُون ثلاثة فناجين، ويُطلق بعض الناس مُسمَّيات لكل فنجان من القهوة، وله
دلالات معينة، وإذا ما اكتفَى الضيف من القهوة عليه هز الفنجان علامة اكتفائه من
القهوة عند تسليم الفنجان فارغًا للمغنم، وعلى المغنم تقديم القهوة واقفا للضيف،
ويستثنى ذلك في قهوة النساء، كما على المُضِيف مُجاملة الضيف في شرب نفس عدد
الفناجين التي يطلبها الضيف، وعادةً لا ينتهي المضيف إلا بعد هز فنجان الضيف.
وعَادَةً ما يُصَاحِب تقديم القهوة تقديم الفوالة،
وهي عبارة عن تمر أو رطب، واليوم من شتى أنواع الفواكه والحلويات، خاصة قهوة
الحريم (قهوة العصرانية والصباحية)؛ حيث عادةً ما يتجمَّعن نساء الحارة خلال فترتيْ
العصر أو الصباح، بعد الانتهاء من أعمال المنزل، ويكُون ذلك التجمُّع في منزل
إحداهن، أو منزل كبيرة الحارة لتناول الفوالة والقهوة، وفي الوقت ذاته يُمارِسن
بعض المهن كالخياطة أو صناعة بعض المشغولات الخوصية، وتلك التجمعات النسائية هي
فُرصة لتعليم الفتيات الصغيرات بعض المهارات الحرفية. وإذا كان ذلك اللقاء أو
التجمع من غير هدف أو إنتاج، يُسمَّى "جلسة معصرات"؛ لما يُصاحبه من قيل
وقال وكثرة لغو.
وتُوْضَع فناجين القهوة قبل وبعد الانتهاء من
تقديم القهوة في إناء يُصنع من الألمنيوم، أو الفخار، يُملأ بالماء يسمى "سحلة
غسال"، وتستخدم تلك السحلة أيضًا لغسل أطراف أصابع الضيوف قبل وبعد تناول
القهوة.
طُقُوس تقديم القهوة عند الرجال تختلفُ عن الحريم؛
حيث يُمكن للحريم تناول الفواكه أو التمر مع تناول القهوة في نفس الوقت، يُسمَّى
ذلك (تداوس)، فيما يعد ذلك عند الرجال غير لائق إلا في حالات خاصة؛ مثل: تناول
القهوة في محيط العائلة أو الأسرة.
اليوم، اختفتْ تلك الآلات بظُهُور مطحنة الكهرباء،
ومُسمَّيات عديدة للقهوة، واختفت الكثير من عاداتها، وبقيتْ ذكرياتها، واختفت معها
عمليات تحميس القهوة بوُجُود القهوة المعلَّبة في الأسواق، وارتحن الحريم من ذلك
الوجع، ولو أنَّه له طعم خاص ومكانة في النفس لا تُنسى، خاصة لدى كبار السن.. هذه
ذكريات القهوة قديمًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.