اعتدنَا في قريات على أن يُقام احتفال جماهيري
وخطابي أمام حصن الوُلاية بمناسبة العيد الوطني المجيد؛ حيث كان يُطلب من كل رئيس
مُؤسسة حُكُومية التحدُّث عن مُنجزات مُؤسسته وخططها المُستقبلية، كانتْ حينها تُعتبر
وسيلة تسويقية وإعلامية فاعلة لبرامج التنمية لتلك المُؤسسات.
في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، كُنت ضمن مجمُوعة
من الشباب نعمل لتجهيز ساحة الحفل وتزيينها بالأعلام وعبارات كتابية في حب الوطن
وسلطانه، كانتْ الأعلام تظلل المكان بطريقة فنية مُبدعة، كانت هُناك العديد من
الأقواس تحمل عبارات وطنية تغرس على الشارع الرئيسي بأشكال جميلة ومتنوعة، يُسهم
بها القطاع الخاص.
مِنَ الذكريات: طلب الوالي مِني في ذلك المساء الجميل
أن أتحدَّث لتَجْرِبة جاهزيَّة جهاز مُكبر الصوت، معلنا أنَّ مكتب الوالي قد أتمَّ
استعداده للاحتفال بهذه المناسبة الوطنية، كان عُمري حينها لا يتجاوز الخامسة عشرة،
وقفتُ أمام الميكرفون، وتحدثت بطريقة عفوية، ولا أدري ماذا قُلت من شدة رَهبة
الميكرفون؛ الأمر الذي وضعته تحديا للتغلب عليه في المُستقبل.. وهذا ما حدث.
فِي اليوم التالي، استقبلنا طلاب المدارس في مسيرة
طويلة وهم ينشدون عبارات بحبِّ وطنهم وسلطانهم، وهُناك نشيد كان المعلمون العرب يُلقِّوننا
إياه في السبعينيات، يبدأ: "بلادي بلادي.. لك حبي وفؤادي".
عادةً.. يتضمَّن الحفل فقرات للفُنُون الشعبية
وقصائد شعرية معبرة، ومُشاركة من شباب النادي وهم يرتدُون ملابسهم الرياضية، ويكون
موقعهم في الوقوف أمام طلاب المدارس، يحملون الرايات والإعلام وشعار النادي.
وعَلَى مَدَى ثلاثة أيام تستمرُّ الاحتفالات، كُنَّا
نطبع برامج احتفالات الوُلاية بالعيد الوطني المجيد على أوراق حريرية تُسمى "استنسل"،
ومن ثم نُدخلها في آلة تنسخ كمية كبيرة من الأوراق، يتم توزيعها على المُواطنين في
جميع قرى الوُلاية، ويكلف بعض الشباب بالإعلان عن مواقيت ومواقع الاحتفالات من
خلال سيارة تطوف الحوائر؛ حيث يقرأ البرنامج في مكبر صوت متحرك.
وعَادة.. يكُون برنامج الاحتفال: في صباح اليوم
الأول أمام الحصن، وفي عصر ذلك اليوم للاستعراضات الطلابية ومُسابقات رياضية، وفي
صباح اليوم التالي مهرجان بحري يتخلله سباق للقوارب التقليدية، وفي المساء حفل مسرحي
لطلاب المدارس، وفي مساء اليوم الثاني حفل فني لشباب النادي.
تِلك الاحتفالات تحضُرها جماهير غفيرة، ويُعدُّ
لها إعدادا جيدا ومنظما، وتحس أيامها أنَّ هُناك لحمة متعاوُنة تكسوها وتغمرها روح
وطنية فرحا ببهجة العيد.
هذه الأيام، تستعدُّ جميع مُحافظات السلطنة
للاحتفال بمناسبة الذكرى الخامسة والأربعين للنهضة المُباركة، وهي احتفالات استُعِدَّ
لها بطريقة راقية ومبتكرة، وستسعد الجميع بإذن الله، حفظ الله عُمان وقائدها
المُعظم.. وكل عام وأنتم بخير.
(الصُّورة تعود إلى بداية تسعينيات القرن الماضي
أمام حصن قُريات)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.