الخميس، 3 نوفمبر 2016

حكاية صُورة

مجلاص.. اسم أحد الأودية الكبيرة في عُمان، يقع في ولاية قُريات، يُشكل هذا الوادي أهمية تاريخية وثقافية واقتصادية، كما يُشكل ذاكرة اجتماعية تُشكلت مع بداية الحياة هنا في قُريات. ذكرته وتناولته العديد من المصادر التاريخية العربية والأجنبية، وهو مَقْصد السياح للتأمل في مُكوناته التضاريسية والجيولوجية.
في بداية هذا العام، قُمت بتقصي معالمه، فسلكت طريق قُريات-مسقط التراثي، الذي يتوسَّط مجرى هذا الوادي، يعود تاريخه إلى ما قبل 1970م، تتبعت رحلات الأجداد عبر الجبال والفيافي والأودية، سجلت ملامحها الطبيعية والتاريخية، ورصدت إنجازات الإنسان فدونتها في كتاب أصدرته عن قُريات.
في إحدى زياراتي المتكررة إلى ذلك الوادي، كان لي لقاء مع راعٍ للأغنام، التقيتُ به مصادفة مع حُلُول المساء، سألته عن أحوال الرعي والمرعى والإنتاج؟ أجابني بأنَّ الأحوال قد تغيرت، فلم يعد الإنتاج كما كان، كما أن الأولاد لم تعد مهنة الرعي وتربية الماشية تناسبهم بفضل الأشغال المتاحة أمامهم.
جَذَبَني حديثُ الذكريات معه، أيام الخصب والسمن والعقيد والجبن المفقوش والسعتر الجبلي والجعدة ونباتات جبل السعتري والسهيلي، التي أسهمت في الاكتفاء الذاتي لمُتطلبات السوق، فطال الحديث الممتع معه على ضفاف الوادي، والمياه تنساب بين الحصى والرمال البيضاء في صفا البرج كأنها سيمفونية كلاسيكية، بينما ترك الرجل ابنه يجمع قطيع الأغنام، وتوجيهها للعودة إلى زريبتها.
ترجَّلتُ من السيارة لأخذ بعض الصور للمكان ومعالمه الطبيعية، رجعتُ إلى السيارة وإذا بها مليئة بزنابير البلح، والذي نُسميه محليًّا بالدبي أو القط الجبلي، ولي معها قِصَص في طفولتي؛ فهي عادة تبني خلاياها في أغصان الشجر، أو تحت أوراق الموز؛ فكُنا مُنذ الفجر وقبل شروق الشمس نطوف على النخيل للرقاط أي التقاط ثمار النخيل، وكثيرا ما تهجم علينا تلك الدبيان وتلسعنا في وجوهنا وأيدينا، ومنها ما هو سام.
حاولتُ طردها من السيارة بمساعدة ذلك الرجل الطيب، فلسعتني واحدة في قدمي، كانت اللسعة مؤلمة فتظاهرت بعدم حدوث شيء، يسألني مضيفي: وكلتك القطة (الدبية)؟ أجبت: لا لا.. لا شيء، كمل حديثك وشرحك، أنا سعيد بالحديث معك. الشمس تعلن المغيب، ودعته، وتركته يسرح بأغنامه إلى المبيت. حرَّكت السيارة وإذا الزنابير تخرج من تحت كراسي السيارة وفتحات التكييف، فتحت لها النوافذ لتخرج الواحدة بعد الأخرى، وأنا أنظر إلى لونها المصفر الجميل، بينما قدمي تنتفخ قليلا قليلا، وصلتُ البيت مع المغرب، لتبدأ سهرة ممتعة مع ألم تلك الوسمات التي تلقَّيتها من تلك الحشرات رائعة الجمال، والذي استمر معي لأيام حتى عادت قدمي لطبيعتها، بعد استخدام أدوية شعبية عادت بي إلى أيام طفولتي الغابرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.