ذَاكِرَة مِن كُنُوز تُرَاثِنا الطَّبيعِي والثَّقَافي..
تَتميَّز الكَثِير مِن مَعَالِمنا الطَّبيعِيَّة العُمانيَّة بذَاكِرة فِي تُرَاثِنا وتَارِيخِنا الإنسَاني، وكَانَت يَومًا لَها أهمِّيتهَا ومَكَانتهَا واستِخدَامَاتهَا فِي الحَيَاة اليوميَّة والمعيشيَّة، ولَكِن بحُكم تَطوُّر الحَيَاة وأَدَواتِها، وتَغيُّر مُجرَياتِها، أَصْبَحَت بَعِيدة عَن أَنظَار النَّاس لتَوافُر البَدَائل، وهِي اليَوْم تُشكِّل قِيمَة تُراثيَّة وتَاريخيَّة، وذَاكِرة شَعبيَّة مُهمَّة للأجيَال المُتعَاقِبة.
صِربُوخ أو سَربُوخ، هِي مُفرَدَة مِن ألفَاظ لَهجتَنِا الدَّارجَة القَدِيمَة، وكَان لِهَذه المُفرَدَات دَلَالَات عَلَى الخِفَّة والحَرَكة والنَّشَاط، وكَان مَن يَتَّصِف ويَتميَّز بهَكَذا وَصْف، يُلقَّب بالصِربُوخ.. ولَعلَّنا نَتذكَّر شَخصيَّة قَدِيمَة فِي تَاريخَنا البَحرِي فِي قُريَّات، وأيَّام السُّفن الخَشبيَّة المُسمَّاة بـ"البُدن أو البدَانة"، نَتذكَّر جَمِيعًا بدن صِربُوخ البلُوشِي، تِلكَ الشَّخصيَّة المُغَامِرة، والمُحِبَّة لتُرَاثِها البَحرِي، ومَدَى عِشقِه للبَحْر وفُنونِه.
تَذكُر الذَّاكِرة الشَّفهيَّة القَدِيمَة، المُتدَاولَة لَدينَا هُنا فِي قُريَّات الأزمَة الاقتِصاديَّة التي خَلَّفتهَا وسَبَّبتهَا الحَرْب العَالميَّة الثانية عَلَى بُلدَان دُوَل الخَلِيج العَربِي، وذَلِك عَلَى أَثَر تَوقُّف الوَارِدَات الغِذَائيَّة والمَوَاد التمويِنيَّة الأخرَى، بسَبَب مَنع وتَوقُّف سُفن التِّجَارة مِن الوُصُول إلى كَثِير مِن مَوَانِئ دُوَل العَالَم.. الحَمدُ لله، هُنَا فِي جَمِيع المُدن العُمانيَّة لَم تلقِ تِلكَ الأزمَة الاقتصاديَّة وشُح المَوارِد بظِلَالِها عَلينَا، كَمَا هِي الدُّول الأخرَى، خَاصَّة فِيمَا يتعلَّق بالغِذَاء، فكَانَت الزِّراعَة وتَمر النَّخلَة، وكَذَلك خَيرَات البَحر، وسِيَاسَة حُكومتِنا الحَكِيمة ووَعي النَّاس، هِي المُنقِذ للخُرُوج مِن تِلكَ الأَزمَة الخَانِقة بسَلَام، وقَد فَصَّلت أَحدَاثَها ومُجرَياتِها وتَأثِيراتِها، وكَيْف تَعَامل العُمانيِّون مَعَها فِي كِتَاب «قُريَّات.. مَلامِح مِن التُّراث الزِّرَاعِي والبَحرِي».
يُحدِّثنِي مَن عَاصَر تِلكَ الأيَّام عَن المَصَاعب التِي وَاجهُوهَا، يَقُول: «انقَطَع كُلُّ شَيء حَتَّى الأَقمِشَة، فكَان مَن لَديهِ قِطعَة قُمَاش ذَخرَها لكَفَنِه خَشيَة مَوتِه، وَكَاد يَصِل بِنَا الأمَر أنْ نَلتَحِف ونَتزر بالجَوَاني؛ لعَدَم تَوافر مَا نَحتَاج إلَيه، حتَّى المُلبق مَا حَصلَناه.. ولَكِن أَهل عُمَان مَا جَاعُوا كَغيرِهم، لتَوافُر التَّمر والسَّمك واللَّبن»، وعِندَما حَدَّثتُه عَن مَشرُوع المِليُون نَخلَة، التِي أَمَر بِهَا مَوَلانا جَلَالة السُّلطَان قَابُوس بِنْ سَعِيد بِن تَيمُور، وشَاهَد صُوَر المَرَاحِل التِي قَطَعهَا هَذا المَشرُوع، تَهلَّل وَجهُه بالفَرَح والبِشْر، ورَأيتُ دُمُوع الفَرح تَنسَكِب عَلى خَدَّيهِ، مرُدِّدا: «الحَمدُ لله.. الحَمدُ لله.. بَارَك الله فِي قَائدنَا، وحَفِظَه ورَعَاه، هَذَا هُو مُستقبَل الأَمن الغِذَائِي فِي عُمان.. أُوصِيكُم يَا وَلَدِي بزِرَاعة النَّخل والزِّرَاعَة؛ فَهِي أَمنُكم ومُستقبَلُكم، زَمَن حَرْب «هِتلَر» -يَقصُد الحَرْب العَالميَّة الثانِيَة- مَا فَادنَا إلَّا التَّمْر والسَّمَك، مَا فَادنَا لا بترُول ولا غِيره، وَهَذِه الدُّول العَربيَّة التِي تَتَناحَر وتَتَقاتَل وتَختَلِق الخُصُومَات، حتَّى مَصْنَع مشخَّط مَا فِيهَا».
المُهِم.. مَا أَردتُ الحَدِيثَ عَنهُ فِي هَذَا المَنشُور، هُو التَّذكِير بتِلكَ الحِجَارة، الظَّاهِرَة صُورَتُها فِي هَذَا المَنشُور؛ فالنَّاظِر إلَيهَا مِن بَعِيد يَجدُها حِجَارةً عَادِيَّة مُتنَاثِرَة فِي البِيئَة العُمانيَّة، ولَكِن تِلكَ الحِجَارة كَانَت يَومًا لَها مَكَانتهَا وقِيمتهَا فِي الحَيَاة وتُرَاثِنا الثَّقافِي والطَّبيعِي، وكَانَت بَديلًا مُهمًّا عَن «الكَبرِيت أو المشْخَط أو الملْبَق» الذِي كَان يُستَورَد مِن الخَارِج لإيقَاد نَار الطَّبْخ، بَعد مَا تَسبَّبت تِلكَ الأَزمَة -الحَرْب العَالمِيَّة الثانِيَة- فِي صُعُوبة الحُصُول عَليهِ عَلَى أَثَر تَوقُّف استِيرَاده.
يُسمَّى لَدينَا هَذَا الصَّخر وِفقَ الدَّارِجَة القَديمَة بـ«الصِّربُوخ»، ويُسمَّى أيضًا «بحَصَى البرَد» لشَكْلِه الجَذَّاب ونَشَاطِه المَعهُود فِي إِحدَاث شَرَارَة اللَّهَب؛ حَيثُ كَان يُحكُّ بصَخْر آخَر لتَولِيد شَرَارَة مِن النَّار عَلى لِيفَة أو زَهْر الخَشت اليَابِسَة، عِندَهَا تُشعَل النَّار فِي مَوَاقِد الطَّبخ دُونَ الحَاجَة لأَعْوَاد الكَبرِيت المَعرُوفة حَاليًا؛ فكَانَت الحَاجَة هِي التِي دَفَعَت لاكتِشَاف أَهميَّة هَذَا الصَّخر فِي تِلكَ الأيَّام العَصِيبَة.
هَذِه الصُّخُور التُّراثيَّة، يُمكِن التأمُّل فِي جَمَالِها فِي المِسَاحَة الوَاسِعة مِن حِيفِظ والسِّليل، فَهِي تُغطِّي مِسَاحَةً مِنَ الأَرْض؛ فَهِي تَتميَّز بلَونِها المُشع الجَذَّاب، والذِي يُمكِن مُشَاهَدته مِن بَعِيد، وكَذَلك فِي الأيَّام واللَّيَالي المُقمِرَة فِي المَسَاء.
وتِلكَ الأَرضُ هِي أيضًا غَنيَّة بمَعْدَن السِّليكُون أو السِّيليكَا، المَطلُوب عَالميًّا فِي كَثِير مِن الصِّناعَات، خَاصَّة فِي الرَّقاقَات الحَاسُوبيَّة... وغَيرِهَا مِن الصِّناعَات الدَّقيقَة.
رَاجِيًا الاهتِمَام بهَذَا المَوقِع، والمُحَافظَة عَليه؛ لأنَّه يُشكِّل متحَفًا طَبِيعيًّا، وذَاكِرة قَدِيمَة، وَلَه أهمِيَّة كَبِيرَة فِي تَاريخِنا وتُرَاثِنا الطَّبيعِي والإنسَانِي، وهُو أيضًا يُشكِّل فُرصَة مُتَاحَة، لاستِثمَار مُكوِّناتِه الطَّبِيعيَّة، ضِمْن تَوجُّهاتِنا الوَطنيَّة: اقتصاديًّا، وسياحيًّا.
تَتميَّز الكَثِير مِن مَعَالِمنا الطَّبيعِيَّة العُمانيَّة بذَاكِرة فِي تُرَاثِنا وتَارِيخِنا الإنسَاني، وكَانَت يَومًا لَها أهمِّيتهَا ومَكَانتهَا واستِخدَامَاتهَا فِي الحَيَاة اليوميَّة والمعيشيَّة، ولَكِن بحُكم تَطوُّر الحَيَاة وأَدَواتِها، وتَغيُّر مُجرَياتِها، أَصْبَحَت بَعِيدة عَن أَنظَار النَّاس لتَوافُر البَدَائل، وهِي اليَوْم تُشكِّل قِيمَة تُراثيَّة وتَاريخيَّة، وذَاكِرة شَعبيَّة مُهمَّة للأجيَال المُتعَاقِبة.
صِربُوخ أو سَربُوخ، هِي مُفرَدَة مِن ألفَاظ لَهجتَنِا الدَّارجَة القَدِيمَة، وكَان لِهَذه المُفرَدَات دَلَالَات عَلَى الخِفَّة والحَرَكة والنَّشَاط، وكَان مَن يَتَّصِف ويَتميَّز بهَكَذا وَصْف، يُلقَّب بالصِربُوخ.. ولَعلَّنا نَتذكَّر شَخصيَّة قَدِيمَة فِي تَاريخَنا البَحرِي فِي قُريَّات، وأيَّام السُّفن الخَشبيَّة المُسمَّاة بـ"البُدن أو البدَانة"، نَتذكَّر جَمِيعًا بدن صِربُوخ البلُوشِي، تِلكَ الشَّخصيَّة المُغَامِرة، والمُحِبَّة لتُرَاثِها البَحرِي، ومَدَى عِشقِه للبَحْر وفُنونِه.
تَذكُر الذَّاكِرة الشَّفهيَّة القَدِيمَة، المُتدَاولَة لَدينَا هُنا فِي قُريَّات الأزمَة الاقتِصاديَّة التي خَلَّفتهَا وسَبَّبتهَا الحَرْب العَالميَّة الثانية عَلَى بُلدَان دُوَل الخَلِيج العَربِي، وذَلِك عَلَى أَثَر تَوقُّف الوَارِدَات الغِذَائيَّة والمَوَاد التمويِنيَّة الأخرَى، بسَبَب مَنع وتَوقُّف سُفن التِّجَارة مِن الوُصُول إلى كَثِير مِن مَوَانِئ دُوَل العَالَم.. الحَمدُ لله، هُنَا فِي جَمِيع المُدن العُمانيَّة لَم تلقِ تِلكَ الأزمَة الاقتصاديَّة وشُح المَوارِد بظِلَالِها عَلينَا، كَمَا هِي الدُّول الأخرَى، خَاصَّة فِيمَا يتعلَّق بالغِذَاء، فكَانَت الزِّراعَة وتَمر النَّخلَة، وكَذَلك خَيرَات البَحر، وسِيَاسَة حُكومتِنا الحَكِيمة ووَعي النَّاس، هِي المُنقِذ للخُرُوج مِن تِلكَ الأَزمَة الخَانِقة بسَلَام، وقَد فَصَّلت أَحدَاثَها ومُجرَياتِها وتَأثِيراتِها، وكَيْف تَعَامل العُمانيِّون مَعَها فِي كِتَاب «قُريَّات.. مَلامِح مِن التُّراث الزِّرَاعِي والبَحرِي».
يُحدِّثنِي مَن عَاصَر تِلكَ الأيَّام عَن المَصَاعب التِي وَاجهُوهَا، يَقُول: «انقَطَع كُلُّ شَيء حَتَّى الأَقمِشَة، فكَان مَن لَديهِ قِطعَة قُمَاش ذَخرَها لكَفَنِه خَشيَة مَوتِه، وَكَاد يَصِل بِنَا الأمَر أنْ نَلتَحِف ونَتزر بالجَوَاني؛ لعَدَم تَوافر مَا نَحتَاج إلَيه، حتَّى المُلبق مَا حَصلَناه.. ولَكِن أَهل عُمَان مَا جَاعُوا كَغيرِهم، لتَوافُر التَّمر والسَّمك واللَّبن»، وعِندَما حَدَّثتُه عَن مَشرُوع المِليُون نَخلَة، التِي أَمَر بِهَا مَوَلانا جَلَالة السُّلطَان قَابُوس بِنْ سَعِيد بِن تَيمُور، وشَاهَد صُوَر المَرَاحِل التِي قَطَعهَا هَذا المَشرُوع، تَهلَّل وَجهُه بالفَرَح والبِشْر، ورَأيتُ دُمُوع الفَرح تَنسَكِب عَلى خَدَّيهِ، مرُدِّدا: «الحَمدُ لله.. الحَمدُ لله.. بَارَك الله فِي قَائدنَا، وحَفِظَه ورَعَاه، هَذَا هُو مُستقبَل الأَمن الغِذَائِي فِي عُمان.. أُوصِيكُم يَا وَلَدِي بزِرَاعة النَّخل والزِّرَاعَة؛ فَهِي أَمنُكم ومُستقبَلُكم، زَمَن حَرْب «هِتلَر» -يَقصُد الحَرْب العَالميَّة الثانِيَة- مَا فَادنَا إلَّا التَّمْر والسَّمَك، مَا فَادنَا لا بترُول ولا غِيره، وَهَذِه الدُّول العَربيَّة التِي تَتَناحَر وتَتَقاتَل وتَختَلِق الخُصُومَات، حتَّى مَصْنَع مشخَّط مَا فِيهَا».
المُهِم.. مَا أَردتُ الحَدِيثَ عَنهُ فِي هَذَا المَنشُور، هُو التَّذكِير بتِلكَ الحِجَارة، الظَّاهِرَة صُورَتُها فِي هَذَا المَنشُور؛ فالنَّاظِر إلَيهَا مِن بَعِيد يَجدُها حِجَارةً عَادِيَّة مُتنَاثِرَة فِي البِيئَة العُمانيَّة، ولَكِن تِلكَ الحِجَارة كَانَت يَومًا لَها مَكَانتهَا وقِيمتهَا فِي الحَيَاة وتُرَاثِنا الثَّقافِي والطَّبيعِي، وكَانَت بَديلًا مُهمًّا عَن «الكَبرِيت أو المشْخَط أو الملْبَق» الذِي كَان يُستَورَد مِن الخَارِج لإيقَاد نَار الطَّبْخ، بَعد مَا تَسبَّبت تِلكَ الأَزمَة -الحَرْب العَالمِيَّة الثانِيَة- فِي صُعُوبة الحُصُول عَليهِ عَلَى أَثَر تَوقُّف استِيرَاده.
يُسمَّى لَدينَا هَذَا الصَّخر وِفقَ الدَّارِجَة القَديمَة بـ«الصِّربُوخ»، ويُسمَّى أيضًا «بحَصَى البرَد» لشَكْلِه الجَذَّاب ونَشَاطِه المَعهُود فِي إِحدَاث شَرَارَة اللَّهَب؛ حَيثُ كَان يُحكُّ بصَخْر آخَر لتَولِيد شَرَارَة مِن النَّار عَلى لِيفَة أو زَهْر الخَشت اليَابِسَة، عِندَهَا تُشعَل النَّار فِي مَوَاقِد الطَّبخ دُونَ الحَاجَة لأَعْوَاد الكَبرِيت المَعرُوفة حَاليًا؛ فكَانَت الحَاجَة هِي التِي دَفَعَت لاكتِشَاف أَهميَّة هَذَا الصَّخر فِي تِلكَ الأيَّام العَصِيبَة.
هَذِه الصُّخُور التُّراثيَّة، يُمكِن التأمُّل فِي جَمَالِها فِي المِسَاحَة الوَاسِعة مِن حِيفِظ والسِّليل، فَهِي تُغطِّي مِسَاحَةً مِنَ الأَرْض؛ فَهِي تَتميَّز بلَونِها المُشع الجَذَّاب، والذِي يُمكِن مُشَاهَدته مِن بَعِيد، وكَذَلك فِي الأيَّام واللَّيَالي المُقمِرَة فِي المَسَاء.
وتِلكَ الأَرضُ هِي أيضًا غَنيَّة بمَعْدَن السِّليكُون أو السِّيليكَا، المَطلُوب عَالميًّا فِي كَثِير مِن الصِّناعَات، خَاصَّة فِي الرَّقاقَات الحَاسُوبيَّة... وغَيرِهَا مِن الصِّناعَات الدَّقيقَة.
رَاجِيًا الاهتِمَام بهَذَا المَوقِع، والمُحَافظَة عَليه؛ لأنَّه يُشكِّل متحَفًا طَبِيعيًّا، وذَاكِرة قَدِيمَة، وَلَه أهمِيَّة كَبِيرَة فِي تَاريخِنا وتُرَاثِنا الطَّبيعِي والإنسَانِي، وهُو أيضًا يُشكِّل فُرصَة مُتَاحَة، لاستِثمَار مُكوِّناتِه الطَّبِيعيَّة، ضِمْن تَوجُّهاتِنا الوَطنيَّة: اقتصاديًّا، وسياحيًّا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.