الخميس، 20 مايو 2021

نعمة جُلّى

من ذكريات موسم الصيف أيام زمان، وقبل دخول خدمة الكهرباء، اعتماد الكثير من الناس على وسائل بسيطة في التغلب على موجات الحر الشديدة، ومكافحة حشرات الصيف؛ فالبيوت إمَّا بالطين، أو من سعف النخيل، وهي بطبيعتها وبتصاميمها الهندسية العُمانية البحتة لها القُدرة على التكيُّف مع ظروف الطقس وتقلبات الجو؛ فتجدها في الشتاء دافئة، وفي الصيف مُقَاوِمة للحرارة؛ نظرا لإمكانية تداخل الهواء في مُختلف أجزاء المنزل.
أيَّام زمان كان الناس يُفضِّلون المبيت في فناء المنزل، أو على السطوح المزينة بالشخال، وهُناك من يُقيم مكانا خاصا لذلك يُسمى "السجم"، وهو عبارة عن أربعة قوائم من الرواجل وأعمدة من الجذوع، ويفرش عليها الدعون، ويكون للسجم درج خاص، وجميع أجزاء السجم ومُكوناته من جذع النخلة وأغصانها، فيما يفضل أهل الساحل النوم على الشواطئ؛ حيث الرمال الناعمة والهواء العليل.
فتجد الجميع -قبل حُلُول المساء- يُشعل السراج أو القنديل، ويهيئ المكان بفرشه حتى يبرد، وفي شدة الحر يُرَش بالماء للحُصُول على سرير مكيف ومريح عند هُبوب الكوس المنعشة، كما أنَّ الطل في الليل والندى في الصباح الباكر يرطب هذه الفرش برذاذ ماء مُنعش، يجعل الجسم مُنتعشا طوال المساء، فيما التلويح بالمشبة، أو المهفة، أو الملهبة مع بداية المساء يكسب المكان راحة وسكينة.
ولمكافحة حشرات البعوض، تُستخدم وسيلة تُسمى "البشانة" أو "الناموسية"، ولها ألوانٌ مُتعددة أغلبها الأبيض والأصفر والأزرق والأخضر، وهي عبارة عن قماش يوضع على سرير النوم، ويُرفع على أربعة قوائم على شكل خيمة، لكنها مُربَّعة أو مستطيلة الشكل، ويكون سرير النوم في وسطها، والبشانة تصد الحشرات الطائرة والصغيرة من النفاذ إلى سرير النوم، بحُكم فتحاتها الضيقة.
النائم في تلك المساءات الجميلة، يعيشُ متعةً نفسية وفكرية وهو يَرى مشاهد الطبيعة على طبيعتها؛ فالنجوم ببريقها تتلألأ في السماء، والقمر بنوره الساطع ينعكس على الأجساد البشرية بحنية وحب، ونسمات الهواء تراقص أغصان الشجر، وسط حكايات جميلة تسردها الأم لأبنائها، والجدة لأحفادها، حتى يخمد الجميع لسلطان النوم.
اليوم، لم يُدرك الجيل الجديد تلك الأيام، فنِعْمَة الكهرباء نعمة جُلّى، عمَّت كل أرجاء عُمان، البيوت في قمم الجبال وبطون الأودية وفي الصحراء والكثبان الرملية مزدانة بالإضاءة وهبوب المراوح، وهدير المكيفات وبرودة الثلاجات، وعلى الرَّغم من تناثُر البيوت في تلك الأمكنة، إلا أنَّ الكهرباء مَوجُودة في كلِّ بيت.
فِي هَذا الصَّيْف الحَارق، تذكَّروا أنَّ هناك من يعمل لَيلَ نهار من أجل أن يَنعَم الجميعُ بهذه الخدمة الحيويَّة دُون انقطاع.. فلَهُم جزيلُ الشكر والامتنان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.