خلال فترة إقامتنا في الإسكندرية توطدت علاقة أخوية مع عدد من الأخوة، سواء جيرة السكن أو زمالة الدراسة، فكان الصديق حمدان العامري خير رفيق في المذاكرة والتحضير للدروس والعروض التقديمية، فكنا نجتمع سويا شبه يومي للمذاكرة أو في المشاوير والرحلات الشبابية، وكانت الدراسة والمذاكرة أكثر ما يشغل وقتنا حتى في الإجازات الأسبوعية، وهو شخصية مجتهدة محبة للعلم والتعلم، ومجيد في نتائجه العلمية، وفي فترة وجوده هناك تزوج من امرأة فاضلة ليبية الأصل، هناك أيضا زملاء دراسة من مصر وليبيا، ترسخت بيننا علاقة أخوة وصداقة وقواسم مشتركة، وكثيرا ما نلتقي أثناء المحاضرات في الكلية، وفي فترة ما بعد الكلية أيضا للمذاكرة والترفيه.
ذات يوم، دعانا صهر الصديق حمدان العامري إلى وجبة غداء في بيته في ميامي، وهو من أصل ليبي استوطن والده الإسكندرية من زمن طويل، فكان كريما وودودا ومحبا للعُمانيين، وأهل ليبيا بطبعهم أهل مروءة ونخوة وشهامة وكرم، تجمعنا بهم علاقات تاريخية قديمة، وعادات وتقاليد عربية مشتركة، ضاربة العمق في التاريخ الإنساني، فقدمت لنا في تلك العزيمة تشكيلة رائعة من الأكلات الليبية ذات الطعم اللذيذ، تميزت بوجبة الأرز مع اللحم بالطبخة الليبية، وكذلك هو الخبز الليبي الفريد في طعمه ونكهته، عقبها تناولنا الشاي أو الشاهي الأخضر بالطريقة الليبية، فالليبيون يعشقون الشاي الأخضر، ويعد أحد أساسيات تقديم واجب الضيافة عندهم، حتى إنه يتم تحضيره في نفس مكان جلسة الشاي على موقد غاز صغير. وقديمًا، كان يتم تحضيره على موقد من الفحم يسمى «الكانون»، وفي تحضيره وتقديمه طقوس وطرائق قديمة، ويتم غليه في إبريق نحاسي لفترة طويلة، وللشاي الليبي مذاق مختلف ونكهة خاصة، له رغوة جذابة ولذيذة عند صبه في الأكواب، ويقدم عادة في أكواب صغيرة، وتسمى عملية تحضير الشاي عندهم بـ«شاهي العالة»، ولإعداد شاي العالة أدوات معروفة وعادات متوارثه، فكانت تلك الدعوة الكريمة تجربة أخوية لا تنسى.
كانت الشقة التي أسكنها في عمارة «قصر ميامي»، تشترك معها شقتان في نفس الدور أو الطابق، فهي تقع في الدور الثاني، ويمكن الصعود إليها بالمصعد أو الدرج (السلم)، كانت الشقة المجاورة لمعلم فاضل كان يوما يعمل مدرسا في إحدى مدارس عُمان، ولكنه يزور الشقة بين حين وآخر ليتخذها مصيفا، فهو يسكن في منطقة بعيدة من المكان، يوما نسي أن يغلق الباب عند خروجه إلى سكنه الأصلي، وعند عودتي من الكلية شاهدت باب الشقة الرئيسي مشرعًا مفتوحًا، والشقة مؤثثة بأثاث ثمين وراق متعوب عليه، عندها أخبرت رجل الأمن أو البواب بأن يحضر، وعند حضوره منعته من الدخول إلى الشقة، وأمرته بقفل الباب بحضوري، وأن يتصل بصاحب الشقة ليبلغه بالأمر، وعندما وصل الخبر صاحب الشقة شكرني وغمرته البهجة والفرح بتصرفي هذا، فقال: «هذا الذي فعلته ليس بغريب على العُمانيين».
كتبه/ صالح بن سليمان الفارسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.