الأربعاء، 18 يونيو 2025

حديث الذَّاكرة.. من كتاب "شذرات/ تأملات ومشاهد وذكريات"

ذات يوم، دعاني الصديق المصري المهندس عبدالجليل، وهو زميل دراسة أيضًا في مرحلة الماجستير في الإدارة بكلية الدراسات العليا في الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، لمرافقته لزيارة محافظة مطروح، وكان حينها يعمل في مجال المقاولات، وهو شخصية متواضعة وخدومة، وصاحب دين وأخلاق عالية، وصادق وأمين في تعامله مع عملائه، ويتعامل بعلاقة إنسانية حميمة مع الجميع، وله سيرة وسمعة طيبة مع الناس، وله علاقة حسنة مع زملاء دراسته، ومن طيبته ومحبته عرض علي مرارا شراء شقة في الإسكندرية من عمارة كان يبنيها في الإسكندرية، قريبة من البحر وبأسعار مغرية، إلا أن تركيزي كان حينها على دراسة الماجستير فقط دون غيرها، وجاءت زيارته تلك إلى مطروح لمتابعة بعض المشاريع التابعة لشركته، إضافة إلى مقابلة بعض عملائها هناك، فوافقت حينها على مرافقته وصحبته الطيبة، للتعرف على تلك المدينة ذائعة الصيت في مصر سياحيا.
فمطروح أو مرسى مطروح بوابة حدودية مهمة لمصر على الصحراء الغربية منها، وهي مدينة عريقة تقع غرب الإسكندرية وتبعد عنها بحوالي 290 كم، ويربطهما طريق قديم، وتتصل مطروح أيضا بعد مدينة السلوم بالحدود الليبية من جهة الشرق، وبها كتل قبلية عربية قديمة، ينتمي بعضها لبني سليم وبني هلال، وعلى أرضها معابد وآثار عريقة، يعود بعضها إلى ما قبل الميلاد، وأخرى إلى مختلف العصور الحضارية القديمة في مصر، وكذلك إلى العصرين اليوناني والروماني، وتضم مطروح أيضا ظواهر جيومورفولوجية عديدة، تتميز بتنوع في أشكالها النادرة، وشهدت أرضها كذلك أحداثًا عظيمة في فترة الحرب العالمية الثانية، فتجد في منطقة العلمين مقابر واسعة، لجنود وضحايا من دول الكومنولث وألمانيا وإيطاليا... وغيرها، وتكتسي مساحة واسعة من أرضها بالألغام المخفية تحت الرمال، وهي من بقايا معركة العلمين الحاسمة في نهاية الحرب العالمية الثانية، التي دارت بين قوات دول الحلفاء بزعامة بريطانيا، وقوات دول المحور بقيادة ألمانيا، في العام 1942م.
وأكثر ما شد انتباهي في مطروح هو ساحلها الممتد على البحر الأبيض المتوسط، فتلك الألوان الفيروزية المتدرجة لزرقة البحر، وصفاء مياهه الساحرة، ونعومة رماله البيضاء الدافئة، ونسماته العليلة هي تحفة بيئية وطبيعية نادرة في مصر، قد لا تجد لها مثيلًا في أي مكان من العالم؛ لهذا فهي مقصد السياح طوال العام، فالجزء الجميل للساحل الشمالي في مطروح يعد مستقبلا ثريا للسياحة في مصر، لمقوماته السياحية المبهجة، وموائله الطبيعية النادرة، وموقعه الإستراتيجي المهم.
هذا.. وبعد ما أن أنهى الصديق المهندس أحمد عبدالجليل أعماله ومراجعاته الإنشائية، الذي لاقى ترحيبًا حارا من الناس، لتواضعه ورقة قلبه، ولجهوده وطيب تعامله وتعاونه معهم، دعينا إلى وجبة غداء من قبل أحد أصدقائه وعملائه في مجال العقارات، فقدم لنا سفرة عامرة وتشكيلة واسعة من مختلف المأكولات البحرية، التي تشتهر بها مطروح، بعدها عدنا إلى الإسكندرية في نفس اليوم مع حلول المساء، فكانت رحلة ممتعة جدا على الرغم من قصر مدتها، ستبقى مرسومة في الذاكرة.
كتبه/ صالح بن سليمان الفارسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.