السبت، 29 مارس 2014

أصبحت ذكريات




مُنذ سبعينيات القرن الماضي وما قبلها من سنوات، كانت مدينة قُريات تعتمدُ اعتمادًا رئيسيًّا في توفير المياه على الآبار الواقعة على حوض وادي مجلاص. وفي الأيام المطيرة، تحتفظُ الكثبان الرملية -الواقعة شرق الرملة والمخيسرات، وجنوب خور الجنين، وتضم مساحة رائعة على سيف البحر من دغمر وحتى القرب من الساحل، والتي تُسمى الكتل- بالمياه لفترات طويلة من الزمن.
الأمرُ الذي يجعَل من السُّكان القاطنين في مركز الوُلاية مطالبين بالاستفادة من تلك المياه عن طريق ما يُسمى بالموارد، وهي عبارة عن حُفرة في الأرض ليست بالعميقة، تنزف منها مياه عذبة قراح زلال، وتعملُ تلك الرمال الناعمة كفلتر لتصفيتها.
كُنَّا ننقلُ تلك المياه على الحمير في أوعية معدنية، ويتطلَّب منا عبور خور الجنين للوُصُول إلى تلك الكتل للتزود بالمياه، وأتذكَّر أيام طفولتي كُنت أغرق بسبب عُمق مياه الخور في فترة المد.
المُهم أنَّ تلك الرمال بمثابة تاريخ طبيعي مُنذ ملايين السنين، تكسوها أشجار الغاف المعمرة والنباتات والشجيرات الحولية، وهي ثرية بالحياة الفطرية، وتتربَّى فيها الغزلان والأرانب والثعالب، إضافة للطيور النادرة، وهي مَرْعَى طبيعي للماشية مُنذ قديم الزمان.
قَبل أيَّام، قُمت بزيارة إلى تلك الكثبان، وتعمَّقتُ كثيرا في مساحتها الواسعة، وكانتْ تلك الزيارة بهدف التأمُّل واستعادة الذكريات، إضافة لتوثيق المكان قبل أن تكتسحه المعدَّات الحديثة من أجل تحويله إلى مُخطَّط سكني لأبناء الوُلاية الكرام.
لعَدَم خِبرتي بالقيادة في الرمال، تعثَّرت السيارة في وسط الرمال، وقضيتُ عِدَّة ساعات من أجل الخروج من المكان، ولم أستطع إلا بالاستعانة بمُعدة شيول لأحد الأخوة الباكستانيين، الذي قام بإخراج السيارة من تلك الرمال، مُقابل مبلغ كبير من المال، إضافة لدُخُول السيارة إلى محطة التَّصليح بعد انهيارها أمام الطبيعة البكر.
شُعُور بالحزن انتابنِي لقيام تلك البلدوزرات باكتساح تلك الطبيعة البكر بلا رَحْمَة. ألا يُمكِن قيام الجهات المعنية بالبيئة بحصر تلك الثروة الطبيعية، والعمل على نقلها لأماكن أخرى مُشَابِهة لتلك الطبيعة، قبل تدميرها بهذه الصورة المؤذية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.