يُعتبر الأستاذ القدير مرشد بن مُحمَّد بن راشد
الخصيبي -رحمه الله- أحد أدباء عُمان ومثقفيها النجباء، الذين يُشار إليهم
بالبنان. كان رجلا شهما، ومُتواضعا، وزاهدا، والابتسامة لا تفارقه أبدا حتى في
أصعب الظرُوف، هو من مواليد ولاية سمائل فيحاء عُمان.
وسَمائل ولاية عريقة ورائعة الجمال والمنظر، وهي
زاخرة بالكثير من العُلماء والفقهاء والشعراء والأدباء عبر التاريخ وعلى مر
العصور، وموقعها ذو شهرة واسعة؛ فهي بمثابة الحلقوم لداخلية عُمان، كما وصفها
الشيخ البهلاني الرواحي، وواديها الشهير بمثابة الفاصل بين سلسلة جبال الحجر
الغربي وجبال الحجر الشرقي في عُمان، وهي أيضًا تحتضن أول مسجد بُني في عُمان على
يد الصحابي الجليل مازن بن غضوبة الطائي السعدي، وهو أول عُماني أسلم على يد
الرسول -عليه الصلاة والسلام.
والأستاذ مُرشد الخصيبي هذا جده الشيخ راشد بن
عزيز الخصيبي قاضي مسقط وأحد أعضاء أول مجلس وزراء السلطان تيمور بن فيصل عام
1920م. تَرَعْرَع في كنف والده العلامة والأديب والقاضي والمؤلف الشيخ مُحمَّد بن
راشد بن عزيز الخصيبي قاضي مسقط في عهد السلطان سعيد بن تيمور، ودرس في المدرسة
السعيدية، وفي معهد الخير الذي كان يقع بمسجد الخور بمدينة مسقط العامرة، وكان
حينها يتولى التدريس في ذلك المعهد سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام
للسلطنة حاليا، والشيخ الربيع بن المر المزروعي - رحمه الله.
الأديب مرشد الخصيبي -رحمه الله- كتب الشعر مُنذ
نعومة أظفاره، ولا غَرْو في ذلك، فهو من سُلالة أدب وعلم وفقه، له مشاركات واسعة
وإصدارات عديدة تزيد على أربعة عشر إصدارا، منها دواوين شعرية في مُختلف أغرض
الشعر، وكذلك أراجيز جميلة، وكتب نثرية متنوعة؛ أبرزها: عُمان أيام زمان، وهو
عبارة عن مذكرات شخصية وذكريات عاشها ولامسها الكاتب من واقع ومشاهد الحياة قبل العام
1970م في مسقط وسائر المدن العُمانية.
كَان أيضًا كاتبًا صحفيًّا بارعًا؛ فقد كان يكتب
في مجلة النهضة العُمانية، في باب استمر لسنوات طويلة يحمل عنوان "أبو مرهون"؛
يتناول فيه مُختلف القضايا الاجتماعية والمحلية والدولية بأسلوب ساخر وفي ثوب هزلي
يتميَّز بالخفة والفكاهة، وفي الوقت ذاته مبطن بالجدية والنصيحة، ومُحمل بالكثير
من القيم الإنسانية، ويعتبر مرشد الخصيبي، ومجلة النهضة، أول من تطرق واستخدم هذا
الأسلوب الأدبي والإعلامي في الكتابة الصحُفية في عُمان، وهو أيضًا أول من رسخ هذه
المفهُوم في الأدب العُماني، ولم يسبقه أحد من العُمانيين في هذا الفن الأدبي حسب
اطلاعي.
تعرَّفتُ على هذه الشخصية الفذة لأول مرة كمعرفة
شخصية في بداية الثمانينيات من القرن الماضي؛ فقد كُنت أتردَّد دائما لزيارة خالي
العميد المتقاعد سعيد بن جمعة الهادي في منزله بالخوير -وهو أحد أقدم المحاربين
العرب أيضا- وذلك إبان دراستي في الكلية الفنية الصناعية في الخوير (كلية التقنية
العليا حاليا)، وكان حينها الخصيبي جارًا له -قبل تفرُّقهما؛ حيث سكن الهادي
الخوض، وسكن الخصيبي الغبرة، وله فيها قصيدة رائعة وجميلة- وقد اعتادا وجيرانهما
قضاء بعض الوقت في المساء في منزل أحدهم بالتناوب ضمن برنامج أسبوعي، وكان مجلسهم
حافلا بالأدب والثقافة والذكر، وكنت كثيرا ما أشاهد الخصيبي مُنصِتا حكيما، ومُتحدِّثا
بارعا.
وإبَان عُضويَّتي في إدارة نادي قُريات في بداية
التسعينيات، كان النادي حينها من بين الأندية المنافسة في مجال المُسابقات الثقافية
والدينية، وله في ذلك مكانة معروفة؛ سواءً على مُستوى مُحافظة مسقط أو على مُستوى
السلطنة، كان الخصيبي في ذلك الوقت أحد أركان تلك المُسابقات؛ فهو من بين اللجنة الرئيسية
المكلفة من قبل المديرية العامة للأنشطة الثقافية والاجتماعية بالهيئة العامة
لأنشطة الشباب الرياضية والثقافة (وزارة الشؤون الرياضية حاليًا) بإدارة المسابقة
الدينية بين أندية السلطنة في شهر رمضان المُبارك، ويُشاركه مشايخ أجلاء؛ من بينهم:
قرينه وصديقه الشيخ ناصر الزيدي، وكذلك الأستاذ سالم البهلولي والأستاذ جمعة
المفرجي... وغيرهم.
كُنَّا نطُوف المُحافظات بسياراتنا الخاصة من أجل
المُشاركة في هذه المُسابقات، وعندما كان يشتكي الشباب من صعوبة بعض الأسئلة
المطروحة في المسابقة عند إخفاقهم، كنت أقول لهم: الأهم أن تستفيدوا من المواضيع
المطروحة في حياتكم؛ فقد كان يتمُّ صياغة الأسئلة بطريقة فيها عمق تربوي، وتحمل
رسالة وأهدافا ومبادئ وقيما أخلاقية وإنسانية، ولم نجد من الخصيبي إلا إنسانا مُحبًّا
ومُشجِّعا ومُتعاوُنا ومُبتسما دائما، على الرغم من قسوة بعض الاعتراضات الشبابية،
التي تحدث دائما في فورة المنافسة، وعند الطموح بالفوز في مثل هذه المُسابقات بين
الأندية.
عَمل الأستاذ مُرشد الخصيبي في حقل التربية والتعليم
لسنوات طويلة، وتدرج في أعمالها من خلال وظائف ومهام عديدة، وله مشاركات عديدة على
المُستوى الثقافي والأدبي، ومتى ما طُلِبت منه المُشاركة في مناسبة ما إلا وتجده مُلبِّيا
من أجل خدمة وطنه وأمته، كرمه جلالة السلطان المُعظم -حفظه اللهُ ورعاه- بوسام
السلطان قابُوس للثقافة والعلوم والفُنُون عام 2001م، كان -رحمه الله- وفيًّا
لبلده وأهله وإخوانه، وكان كثيرا ما يُعبر عمَّا بداخله بالشعر والكتابة، له خطٌّ
رائع وجميل، وكانت الكثير من هداياه ورسائله لمن تربطه به علاقة أخوة وصداقة ومحبة
أبيات من الشعر، توفَّاه الله قبل سنوات، وهو بحق قامة أدبية رصينة، ويستحق
الاهتمام بنتاجه الفكري والأدبي.. رحمةُ الله عليك يا أبا معاذ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.