السَّلطنة -في ظل الظرُوف الاقتصادية الحالية- تعملُ
بجد وحكمة من أجل تفادي تداعياتها، وعدم تأثيرها على مسيرة التنمية، ولعلَّ
الخبرات التراكمية لهكذا ظرُوف جعلت من الدولة تُرَاجع العديد من سياساتها
المالية، وتُعيد النظر في الكثير من القوانين والإجراءات والتوجُّهات المنظِّمة
لسير العملية الاقتصادية في البلاد؛ وذلك بواقعية وبُعد نظر.
لا شَكَّ أن هُناك الكثيرَ من الآراء والنظريات
التي طُرِحت عبر وسائل الإعلام، بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا أمرٌ
طبيعي لأن الدورة الاقتصادية لأي اقتصاد في العالم له ارتباط مباشر بالعواطف
والمشاعر البشرية والإنسانية؛ فتجد الكل يعبر عن تلك المشاعر بطريقته، ووفق قدراته
العلمية والفكرية، ونظرته إلى المُستقبل.
وهُنَا، يجب على أهل الاختصاص والإعلام أن يلعبوا
دورا محوريا في مخاطبة الرأي العام بأهمية الإجراءات والتغيرات التي يجب على
المُجتمع إدراك أهميتها من أجل مُعالجة وضع قائم، أو استشراف مُستقبل قادم؛ لأن
العَوَاطف وحدها في هكذا ظرُوف لا تُجدِي وحدها لتصحيح أو تغيير فِكرٍ قائم، خاصَّة
إذا كان الأمرُ يتعلق بالمُتطلبات المعيشية والاحتياجات الأساسية للأفراد
والمُجتمع.
الاقتصاديون لديهم نظرية تُسمَّى "الندرة
النسبية للسلع والخدمات"، مفادها أنَّ للإنسان حاجات كثيرة مقارنة بإمكاناته،
وبما توفره مُؤسسات الإنتاج وعوامل الطبيعة في الكون، هُناك من يعترضُ على هذه
النظرية بما يُسمى بـ"نظرية الوفرة"، إلا أنَّ النظر إلى الأمر بواقعية
تامة يجعل من الإنسان تأييد النظرية الأولى؛ فمهما كُنت لا يُمكن أبدا أن تُحقِّق
كل حاجاتك في وقت واحد؛ لهذا طُلب من الإنسان أن يعمل ويخطط لكل مسار حياته.
هَكَذا الدول أيضًا تعمل؛ فهي تخطِّط وترسِم
سياساتها المالية من باب أن هُناك ندرة نسبية في عالم المال والاقتصاد، ودورة
اقتصادية متغيرة غير ثابتة، تلعب في تغيير مُجرياتها وتوجهاتها ظرُوف دولية وبيئية
وسياسية واقتصادية. هُناك طرائق ووسائل عديدة تتبعها كل دولة، لرسم سياساتها
المالية، وتلك السياسات لا بد أنْ تكُون مُتفقة مع نظامها: السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي،
وتوجهاتها المُستقبلية.
ما يُميِّزنا في السلطنة أن جميع الإجراءات التي
قامت بها الحُكُومة لمُعالجة الوضع الاقتصادي الراهن كانت مُعلنة، والكثيرُ منها
أشرك فيها مجلس عُمان -بجناحيه: مجلس الشورى ومجلس الدولة- وكذلك الإعلام ناقش تلك
الخطوات بشفافية تامة، ولعلَّ مسألة زيادة الضرائب، ورفع الدعم عن بعض مشتقات
الطاقة، هي الأكثر تداولا على مُستوى الإعلام، خاصَّة عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛
فهُناك من يَدْعم هذا التوجه، وهُناك من في هاجسه بعض القلق.
وعندَمَا تُحلل تلك الآراء والأفكار المطروحة؛ فهي
تنصب جميعًا في مسألة نقل ما يُسمى بالعبء الضريبي أو تكلفة رفع الرسوم والضرائب
كليًّا أو جزئيًّا على المُستهلك النهائي، وكذلك خشية استغلال بعض التجار في رفع
أسعار السلع والخدمات، بعد أن تمَّ رفع الدعم الحُكُومي عن بعض مشتقات الطاقة،
خاصة على محدُودي الدخل، وبما يُسمى بنقل العبء الضريبي والتكاليف الجديدة إلى
الأمام، أي تحميل المنتج تلك التكلفة على تاجر الجملة، ومن ثمَّ على تاجر التجزئة،
وأخيرًا تنصبُّ تلك التكلفة على المُستهلك النهائي.
هُنا، يكمُن دور الجهات الرقابية، وأيضًا دور
الجهات التخطيطية لحركة السوق. ولعلَّ أبرز الطرائق نجاحًا للتغلب على ذلك: تقليص
المسافات بين المنتِج والمُستهلك النهائي؛ بحيث يتم كسر تلك الفجوة الكبيرة في نقل
السلع، وتقديم الخدمات من المنتِج إلى المُستهلك.. بعضُ الدول استخدمت ما يُسمى
بمراكز التوزيع الكبيرة في المراكز الإقليمية للمدن؛ بحيث تكُون قريبة من المُستهلك
النهائي، ولا تتطلب كلفة في النقل، وأخرى عملتْ على إنشاء الجمعيات الاستهلاكية
بإدارة أهلية، وبعضها اعتمدت أسلوبَ الشراء الجماعي الموفِّر للتكلفة، إضافة لتغيير
ثقافة الاستهلاك.
وفي هذا الإطار أيضًا، لا بد أن يتم إعادة النظر
في وضع المُستحقين للضمان الاجتماعي، وكذلك بالنسبة للمتقاعدين في القطاعين العام
والخاص، خاصة بالنسبة للذين يتسلمون الحد الأدنى من تلك المعاشات، ولعلَّ تعديل
وضعهم يكُون باستحداث علاوة غلاء معيشة، إضافة إلى راتبهم، وبما يتناسب مع الوضع
الاقتصادي الحالي والمُستقبلي سيكُون له مردُود اجتماعي ونفسي كبير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.