الأربعاء، 25 مايو 2016

عادات رمضانية أيام زمان

قريبا سيهلُّ علينا شهر الخير والبركة والمسرات، وأصبح الكثير من الناس يستعدون لاستقباله، كلٌّ حسب طريقته، وقبل أيام احتفل أطفال عُمان بعدد من ولايات محافظتي الشرقية بالشعبانية، والشعبانية تقام عادة في مُنتصف شهر شعبان، وهي احتفال بهيج للأطفال استعدادا لقدوم شهر رمضان.
والشعبانية في طقوسها وممارستها قريبة من القرنقشوه التي تقام في ليلة النصف من رمضان في عدد من ولايات السلطنة، إلا أن الكلمات التي يرددها الأطفال في المناسبتين مُختلفة، ولكنها لها نفس الروح والدلالات والمعاني الإنسانية.
هُناك الكثير من الممارسات المُجتمعية القديمة التي كانت تقام لاستقبال الشهر الفضيل وفي أيامه المُباركة، بعضها قد تغير بسبب حراك المُجتمع وتطوره، وهُناك ما هو باقي إلى يوم الدين، لأنها مُرتبطة بالعبادات وعلاقة الإنسان بربه وبأخيه الإنسان.
قديما في الأيام الأخيرة من شهر شعبان تجد جميع الأسر تستعد لأيام رمضان، سواءً بالذكر أو بتجهيز كل ما يقدم في أوقات الإفطار من أطعمة ومشروبات أيام رمضان، فتجد النساء في تجمعات لطحن الحبوب والبهارات على الرحى أو في المدق، بما يُسمى الموقعة، وعادة تصنع الموقعة من جذوع النخيل أو البيذام أو الشريش وكذلك من الحديد.
وكانت تقام بعض العادات في الأيام الأخيرة من شعبان لاستقبال أيام الصيام، وهي مُختلفة من مكان إلى آخر من قرى عُمان، ففي ظفار في جنوب عُمان يقيم بعض الأهالي ما يُسمى بقتل الحنش، وفي بعض المُحافظات والولايات والقرى الشمالية يقيمون ما يُسمى بيوم الدرنة، ويقول المثل: اليوم ضرب الدرنة وباكر كل حد في قرنة، أي جالس في زاوية، حيث لا طعام حتى وقت الفطور.
ولتلك العادات دلالات اجتماعية تحتاج لدراسة، ولعل على رأسها سمة التعاوُن والتسامح ونبذ الاختلاف وتعزيز صلة الرحم والقيم الإنسانية بين الناس.
قتل الحنش وضرب الدرنة تصحبهما إعداد وجبة دسمة تقام في اليوم الأخير من شهر شعبان تتجمع عليها الأسرة، وعادة ما تكُون وجبة غداء، والكثير من الأسر تقوم بتأخير وجبة الغداء في ذلك اليوم إلى فترة متأخرة من العصر، حيث يعدون تلك الوجبة في ذلك اليوم كغداء وعشاء في نفس الوقت، لأن السحور سيكُون حاضرا في وقت متأخر من الليل من ذلك اليوم.
زمان كان يتم إعلام الناس برؤية هلال شهر رمضان عن طريق إطلاق المدفع، وكذلك أيضًا عند رؤية هلال شهر شوال.
وقديما أيضًا كان الناس حريصون على استطلاع هلال شهر رمضان، فتجد كل واحد منهم ينظر إلى موقع الغروب ليحظى برؤية الهلال، ليقوم بإعلام الوالي أو القاضي إذا ما رأى الهلال بازغا في السماء، فيما اليوم هُناك لجان قد تم تشكيلها لهذا الغرض في كل ولاية من أرض عُمان.
القرى النائية يتم إعلام أهلها عن طريق الطارش، وهو رجل يكلف بهذه المُهمة، وعادة ما يركب دابة كالحمار أو الجمل أو الحصان أو مشيا على الأقدام أو عن طريق قارب الشراع أو يتم تجديفها بالغادووف إذا كانت القرية يمكن الوُصُول إليها عن طريق البحر، ووسيلة الطارش ثم وسيلة البرقية كانت فاعلة في ذلك الزمان لعدم توفر وسائل الاتصالات كما هي عليه هذا الزمان.
كان الناس يحرصون على ترديد نية الصيام بعد صلاة أول تراويح جماعة، ويسمى ذلك عقد رمضان، حيث يردد جميع المصلين عبارات النية مع الإمام، ولها صيغة معينة وعبارات متداولة بين الناس، فعادة تقام صلاة التراويح في نفس ليلة رؤية الهلال في المساجد والجوامع وحتى إنتهاء آخر ليلة من رمضان، فيما يتولى أحد العارفين تلقين النساء النية في البيوت، وعادة ما تكُون جهرية وجماعية أيضا، اختفت هذه العادة الآن لانتشار التعليم، ولكون النية محلها القلب.
هُناك الكثير من المأكولات تقدم خلال شهر رمضان بدون اسراف، وكان على رأس هذه المأكولات التمر أو الرطب إذا جاء رمضان في أشهر الصيف كعامنا هذا، وكذلك الفواكه كالبطيخ والشمام والجح.. وغيرها من الخيرات الكثير.
ومن بين ما يقدم في ليالي رمضان أيضا: الشربة والسمنة بالحبة الحمراء أو باللوبيا، والهريس، فيما السمك المقلاي يكُون على كل وجبة إفطار مع الخُضروات والسُلُطات كالفجل والخس والخيار والملفوف.. وغيرها، وكذلك الثريد وما يُسمى الفتة، وهي وجبة تتكون من خبز الرخال والمرق واللحم أو الدجاج أو السمك.
دخلت مأكولات جديدة على المائدة الرمضانية هذه الأيام، كالسمبوسة والباكورة والكستر وأنواع عديدة من الحلويات والمشروبات والعصائر المُختلفة، ولعل أبرزها الفيمتو بأنواعه وأشكاله.
هُناك ثلاث وجبات رئيسية في ليالي رمضان، وبينها بعض المأكولات الخفيفة، أول هذه المأكولات الرئيسة: الفطور بعد أذان المغرب مُباشرة، وعادة ما يكُون خفيفا مع شربة ماء باردة زلال من حب أو خرس أو جحلة مصنُوعة من طين عُمان، ثم تناول وجبة العشاء بعد التراويح، وأخيرا السحور، وعادة ما يكُون السحور عبارة عن وجبة تتكون من الرز ونسميه العيش مع اللبن، إلا أن اليوم هُناك من المأكولات ما لذ وطاب.
قديما كان المسحر هو الموقت الوحيد لتناول وجبة السحور، فهو يطُوف الحوائر والأزقة بين البيوت بطبله الكبير وصوته الشجي، مرددا أصح يا نائم وحد الدائم... سحور سحور يا نائمين، وفي نهاية شهر رمضان يقوم كل بيت بتقديم الهدايا للمسحر، وكثيرا ما تكُون كمية من التمر أو بعض النقود كالبيسة السوداء أو قرش فرنس فضي، فكل واحد يقدم الهدايا للمسحر وفق مقُدرته وإمكانياته دُون تحديد، اليوم لم نسمع صوت المسحر في ليالي رمضان بسبب توفر وسائل ومواقيت حديثة تبهر الإنسان.
ما يميز شهر رمضان امتلاء المساجد والجوامع لأداء صلاة التراويح والتهجد وقراءة القرآن الكريم، حيث يحرص كل فرد ختم القرآن عدة مرات في شهر رمضان.
ويحرص الكثير من سُكان القرى على تناول وجبة الإفطار في شهر رمضان جماعة، سواءً في مجلس عام أو في صحن المسجد القريب من البيوت، فكل بيت يقدم أحد الأنواع من الطعام، لتجتمع عليه الناس بقلوب تملؤها القناعة والصفاء والمحبة وسعادة الإنسان.
من العادات الجميلة في رمضان تبادل المأكولات وأصناف الطعام بين الأهل والجيران، وعادة ما يكلف بها الأطفال لتعويدهم على أعمال الإحسان والعطاء والتصدق في مثل هذه الأيام، بالإضافة إلى زيادة العزائم والتواصل بين الأرحام والجيران.
يتميز شهر رمضان أيضًا بالنشاط والحيوية في تأدية الواجب والأعمال، فتجد المزارع في مزرعته والصانع في مصنعه ومعمله والتاجر في متجره والبحار على قاربه وطالب العلم في مدرسته من أول الصباح وحتى المساء، وفي الظهيرة يهجع الناس تحت ظلال الأشجار، حيث لا كهرباء ولا تبريد مروحة ولا مكيف هواء.
كانوا يتبردون بمياه الأفلاج والآبار والوديان، خاصة في فصل الصيف الشديد الحرارة، كما لا تجدهم يتذمرون من التعب أو بشدة الصيف، فكانوا دوما مجتهدين في أداء واجبهم وأعمالهم بصبر وعزم طوال الأيام.
وما أن ينتصف الشهر الفضيل وإذا بالأطفال يحتفلون بيوم القرنقشوه، وهي عادة جميلة يحسس بها الأطفال أهلهم وجيرانهم بأن النصف الأول من شهر رمضان قد انتهى، وعليهم بالاجتهاد في باقي الأيام.
القرنقشوه لها كلمات جميلة يرددها الأطفال بصوت جميل مع قرع حصاتين سيرا على الأقدام، وعادة ما تكُون جماعية، ويحظى الأطفال في ذلك اليوم بهدايا رائعة من قبل كل بيت يطُوفون عليه في ذلك المساء الجميل، وتبدأ القرنقشوه عادة بعد صلاة المغرب وحتى بداية وقت العشاء.
هذه من بعض عادات أهل عُمان لاستقبال شهر رمضان، وهُناك الكثير من عادات ليالي رمضان قد تغيرت بسبب تغير الزمان ودُخُول وسائل الإعلام إلا أن قدسية أيام رمضان ولياليه باقية على مر الأيام.
كما أن قيم التكافل المُجتمعي والقناعة والرضا والتعاوُن والصفاء والتسامح ومحبة الإنسان لأخيه الإنسان ستظل باقية في أهل عُمان على مر الأزمان، بإذن الواحد المنان.
هذا ما خطه أخوكم صالح، الداعي لكم بالصحة والسعادة وبكل الخير أيها الأصدقاء المحبين الكرام، من أجل تذكر أيام الآباء والأجداد وسالف الأيام.
أعاد الله عليكم رمضان بالخير العميم على مدى الدهور والسنين والأعوام، والمعذرة عن كل تقصير أو نسيان أو زلة لسان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.