السبت، 7 يوليو 2018

ذاكرة..

مسرحيون غيَّبهم الزمان.. فنسيناهم
الحياة ومُجرياتها اليومية هي بمثابة مسرح كبير، يتداول أدواره ومشاهده وحُواراته الناس فيما بينهم، من خلال التدافع اليومي للحياة؛ بهدف تحقيق المُنجزات والتطلعات، وتلبية الحاجات الإنسانية، وفق تدرج هرمي كما قسَّمها "ماسلو"، ينتقل فيها الإنسان من مرحلة لأخرى، ومن محطة إلى محطة حتى يبلغ النهاية؛ وذلك وفق قدراته النفسية والفكرية والبدنية، وطمُوحاته المُستقبلية.
فمن خلال تلك الحاجات ومعرفتها يُمكن إثارة دوافعه الإنسانية الداخلية، وتحفيزها نحو الإبداع والابتكار والتجديد، والتغيير الإيجابي في هذه الحياة.
لهذا؛ شكَّل المسرح عبر تاريخه الحضاري جزءا مهما في حياة الشعُوب المُتقدمة، لما له من قيمة حضارية وثقافية واجتماعية في الرُّقي بالقيم والفكر والأخلاق والانتماء، وتعزيز المحبة والوئام والفهم المشترك بين البشر.
منذ القدم كان الإنسان العُماني ينظر للفُنُون بمجملها على أنها فلسفة جمالية للحياة، والمتأمل في النقوش والرسومات الحجرية القديمة، يجد ذلك الرقي الإنساني في التعبير عن المشاعر الإنسانية رمزا وصُورة وكلمة، ومن خلالها أيضًا تجسد تلك العلاقة الحميمة مع البيئة ومكونتها.
في قُريات، ومنذ ما قبل السبعينيات، كان المسرح يُشكل معلما ونشاطا بارزا لدى الوسط الشبابي، وتعزز هذا النشاط مع بزوغ النهضة المُباركة، خاصة بعد إشهار نادي قُريات مع بداية السبعينيات من القرن المنصرم، كانت الإمكانات محدُودة، ولكن عزيمة الشباب متوقدة، وبمثابرتهم وجُهُودهم وحبهم للمسرح، شكلوا جميعًا شعلة مضيئة في دروب التقدم وتحقيق المُنجزات والأمنيات في مجال الفُنُون الراقية.
كان المسرح مُتنقلا كالطائر المحلِّق في سماوات الفن، وخشبته تبنى في يوم هنا، وتنقل إلى مكان آخر في اليوم التالي، حِراك شبابي متواصل ليل نهار، سهرة أمام الحصن تعقبها سهرة في المدرسة، أو أمام بيت الجديدة التراثي.
كانت أغلب المسرحيات مُرتَجلة، وتُسرد حُواراتها وقصتها ومشاهدها من خلال جلسات حُوارية شفهية، تتناول قضايا اجتماعية ووطنية وتوعوية، ومشاهد درامية وكوميدية وغنائية وفُنُونا شعبية. كنا نجد ونرى لحمة شبابية متقدة، تتكامل وتتعاوُن من أجل إنجاح العمل الفني، فكان الجميع يعمل كخلية نحل واحدة دُون تخصص، أو ترفُّع، أو تذمُّر، أو تحقيق مكسب مادي.
مرَّت على المسرح في قُريات شخصيات مسرحية لم تعُد اليوم بين ظهرانينا؛ منهم من اعتزل، ومنهم من فارق الحياة؛ فعلى الرغم من بساطتهم وتواضعهم، فحقٌّ علينا أن نذكر مُنجزاتهم، وهذا ما رصدته واجتهدت على إبرازه في كتاب "قُريات.. ماض عريق وحاضر مشرق" في طبعته الثالثة الصادرة في العام 2012م، إضافة لمواضيع أخرى تتعلق بالحياة الفكرية والثقافية في قُريات.
سأحاول قريبًا رصد هذه المُنجزات المسرحية عبر مراحلها المُختلفة، وأجيالها المُتعاقبة في هذه الصفحة المُتواضعة. الصُّورة المرفقة يظهر فيها مسلم الوهيبي وصالح المعمري -رحمهما الله- وهما أحد أعمدة المسرح القديم في فترة السبعينيات بولاية قُريات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.