الخميس، 14 فبراير 2013

ذكريات جميلة في الإعلام

ذكرياتٌ جميلة في الإعلام بمناسبة احتفال جريدة "عُمان" بعيدها الأربعين، واليوم العالمي للإذاعة.. فِي السنوات الأولى من عقد الثمانينيات من القرن الماضي، نظَّمت مدرسة راشد بن الوليد، والتي كُنت أحد طلابها رحلة لزيارة التليفزيُون العُماني، وقد تعرَّفنا خلال هذه الرحلة على الدور الذي يقوم به التليفزيُون كأحد الأجهزة الإعلامية في السلطنة، والتقينا خلال هذه الرحلة عددًا من الرواد العاملين في مجال الإعلام، وأتذكر جيدا كان المرحوم حمد البلال في صومعته الزجاجية يقرأ نشرة الأخبار.
شَخصيًّا، خرجت من خلال هذه الزيارة بالعديد من الفوائد، وتعرفت على الكثير من المعلُومات؛ فمثل هذه الزيارات للطلاب تُشكل ذكريات جميلة وصُورة ذهنية إيجابية لدى فكر الطالب عن المُؤسسة التي يزورها.
بَعْد الانتهاء من دراسة المرحلة الإعدادية في مدرسة راشد بن الوليد، ونظرا لعدم وُجُود مدرسة لتكملة المرحلة الثانوية في الوُلاية، تطلَّب من الطلاب الراغبين في تكملة الدراسة الانتقال إلى مدرسة جابر بن زيد الثانوية بالوطية بولاية مطرح؛ مما يتطلب الإقامة أيضًا هُناك نظرا لبُعد المسافة وصعوبة الانتقال والمواصلات خلال تلك الفترة.
هذا الأمر كان بالنسبة للوالدين-ولي شخصيًّا- ليس بالأمر السهل، خاصة وأنه لم تمضِ سنوات قليلة على فراق عزيز علينا، وهو جدي الحاضن لأفراد الأسرة الكبيرة، وبعده بسنتين وفاة أخي الأكبر شهيدا في بيروت بتاريخ 22/ 10/ 1977م؛ حيث كان يعمل في سفارة السلطنة، وقد شكل فراقه بالنسبة لجميع أفراد العائلة أثرًا عميقًا في نفوسنا؛ فهو بالنسبة لنا قدوة في حب العلم والولاء والتضحية والإقدام من أجل الوطن؛ حيث تشرَّف بأداء واجبه المقدس مع إخوانه رجال قوات السلطان المسلحة البواسل في الذود عن الوطن ضد من غرَّر بهم في حرب ظفار عام 1972م والتي انتهت في نهاية 1975م بنصر مؤزر بفضل الله وتخطيط وعزيمة قيادتنا الحكيمة وجُنُوده البواسل.
لقد أطعت رغبة الوالدين، كما حزنتُ كثيرا، وبكيت أكثر، لعدم تهيئة الظرُوف المناسبة لتكملة الدراسة في الثانوية العامة داخل الوُلاية، فاغلب أقراني بالمدرسة توجَّهوا إلى مدرسة جابر بن زيد لتحقيق هذا الهدف، هذه الظرُوف تعاملت معها بالصبر والبحث عن البدائل لتحقيق الهدف.
الخطوة الأولى -بتوفيق من الله- الحُصُول على فُرصة عمل داخل الوُلاية، ثم القرار بمواصلة التعليم في الفترة المسائية (تعليم الكبار)، فكنت أعمل في الصباح واذهب إلى المدرسة في المساء، وفي السنة الأخيرة ذهبت إلى مدرسة جابر بن زيد لأداء اختبار الثانوية العامة مع الطلاب النظاميين.
في ذلك الزمان كانت نتائج الطلاب في الشهادات العامة على مُستوى مدارس السلطنة يتم إذاعتها في نهاية العام الدراسي بإذاعة السلطنة؛ فتجد كل الأسر مُتجمِّعة لفترة طويلة من الزمن لسماع النتائج، والحمد لله قد تحقق الهدف، وقد كان سماعي لاسمي في الإذاعة، وقع خاص في نفسي بأهمية هذا الجهاز.
بعدها، أُتيحت لي فُرصة تكملة دراسة الدبلوم في الكلية الصناعية بالخوير، وعلى الفور طلبت تفريغي من العمل لأجل مواصلة الدراسة، كُنا حينها الدفعة الثانية بعد افتتاح الكلية، وهي تضم تخصصات فنية وأخرى في مجال الإدارة والمحاسبة، كان كل شيء موفرًا لنا، بفضل تشجيع الحُكُومة على طلب العلم، بعدها تواصلت في التعليم الجامعي بطريقة الانتساب أيضًا على نفقتي الخاصة، ومن ثم مرحلة الماجستير بتفرغ كامل، وكله فضل من الله وتشجيع الوالدين والأسرة والمحبين.
في الكلية الصناعية -تسمى اليوم كلية التقنية العليا- وعندما كنت في مكتبة الكلية، دخل علينا المذيع والإعلامي القدير خالد بن صالح الزدجالي، يرافقه أحد المخرجين في الإذاعة لا أذكر اسمه كاملا فيما أظن قبيلته المعولي، وقد يكُون هو المخرج محمد المعولي، وكان حينها خالد الزدجالي يقدم برنامجا إذاعيا، وقام بإجراء عدة لقاءات مع الطلاب، وبعد الانتهاء من إجراء المُقابلات وجدتُ نفسي مُندفعا لأسئله: كيف يُمكن أن يكُون الإنسان مذيعا؟ وما هي مُتطلبات هذا العمل؟ أذكر أجابني بابتسامته العريضة، والتي لم تتغيَّر حتى اليوم، وهو ينزل على الدرج من الطابق الأول مُسرعا حيث وُجُود المكتبة: الرغبه، وإتقان اللغة العربية، والثقافة العامة، والمبادرة.
وكان في ذلك الوقت نظام الدراسة في الكلية يتطلَّب من الطالب مُمارسة عملية وتطبيقية لما تعلمه في إحدى المُؤسسات، وهو بمثابة مُقرِّر دراسي، وكان حينها يتم المتابعة من خلال زيارات مفاجئة للدكتور المشرف على الطالب؛ حيث يسأل مديري الدوائر عن مُستوى إجادة الطالب ومُمارسة ما تعلمه، ويتطلب من الطالب كذلك كتابة تقرير عن الدائرة أو القسم الذي زاره وتدرَّب فيه، يشتمل على الاختصاصات وإجراءات العمل ورأي شخصي للطالب، ومن ثم تتم المصادقة على التقرير من قبل المسؤول في تلك الوزارة، وتقديمه للدكتور للتقييم والحُصُول على درجات التدريب العملي.
وقد كانت إجابة خالد الزدجالي تجُول في ذهني لمعرفة المزيد عن الإعلام، لهذا كُنت حريصًا على أن يكُون تدريبي العملي في وزارة الإعلام بهدف اكتشاف هذا الفكر وطريقة التعامل معه، وبالفعل رشحتني الكلية للتدريب في هذه الوزارة، وقضيت فيها أياما عديدة أتنقَّل من دائرة إلى أخرى، بما يتوافق مع تخصصي الدراسي في الكلية، وتعرَّفتُ في هذه الفترة على شخصيات كريمة تعلمت على يديها الكثير، وحظيت بزيارة لمبنى التليفزيُون والإذاعة، والتعرف على أقسامها وما تقوم به عن قرب، وقد حصلت من الوزارة على تقرير طيب، وفيه تعليقات رائعة وتواقيع الكثير من المسئولين في الإعلام، ليتني احتفظت به أو نسخة منه، فقد سلمته لإدارة الكلية.
هذا التدريب في وزارة الإعلام غرس لديَّ تقديرًا خاصًّا لدور الإعلام في خدمة المُجتمع والإنسانية؛ لهذا فبعد التخرج في الكلية تشرفت بالتكليف بأنْ أكون مراسلا إعلاميا في ولاية قُريات، عملت في البداية بجريدة "الوطن"، وكان في ذلك الوقت يتم إرسال الأخبار إمَّا بالوُصُول إلى الجريدة، أو الاتصال بالهاتف؛ حيث كُنت أملي الخبر كلمة كلمة بالهاتف، وقد تعلمت من الأستاذ عبدالستار خليف -رحمه الله- دروسا في الكتابة الصحفية، وكان لطيفا ومتعاوُنا ومشجعا لنا.
بعدها تعاملت مع جريدة "عُمان" الغالية علينا، وفيها كنت أكثر إبداعا ونشاطا في الكتابة الصحُفية، حيث كل من تعاملت معه في هذه الجريدة يدفع إلى الإبداع في العمل الصحُفي، وذلك من خلال التوجيه والتدريب المهني والتشجيع والتحفيز المعنوي وإخلاصهم المتقن لعملهم، خاصة بعد حضور الدورة التدريبية التي نظمتها وزارة الإعلام لنا في مجال العمل الإعلامي، ومع هذه الجريدة الموقرة وروَّادها ذكريات جميلة وعلى رأسهم: معلمنا وأستاذنا الشيخ حمود بن سالم السيابي والأستاذ سعيد بن خلفان الحارثي وسالم بن رشيد الناعبي والأستاذ خالد المعمري والأستاذة عزيزة الحبسي... وغيرهم.
فكنت بعد ما انهي عملي في قُريات، انطلق مُباشرة إلى مسقط بسيارتي الخاصة لتوصيل الأخبار والصور لتنزل في اليوم التالي في الجريدة، وأعود في اليوم نفسه في ساعات متأخرة من الليل، حيث لا توجد حينها تلك الوسائل الحديثة التي ننعم بها اليوم من الاتصالات، لذلك كثيرا ما كنت متواجدا في الجريدة في الفترات المسائية لإيصال الأخبار والتحقيقات والصور.
فتجد هُناك خلية نحل تعمل بانسجام وتكامل في الجريدة، خاصة في الفترة المسائية المتأخرة، لأن الكثير من الجوانب الفنية يتم تنفيذها يدويا، والصور تطبع بطريقة تقليدية، حتى الصفحات قبل أن تدخل المطبعة يتم رسمها بطريقة فنية جميلة تتجلى فيها روح الإبداع والجمال، وتلك الطرائق الفنية في الإعداد والتنفيذ تُشكل ميزة جمالية وإنسانية، لأنها تتعامل مع الكلمة والحرف والصورة بحميمية ومشاعر خاصة.
كما كان لي الشرف التعامل مع الإذاعة والتليفزيُون كمراسل في الوُلاية، وأذكر أن الإذاعة قد خصَّصت لنا وقتا محددا لتسجيل الرسائل الإخبارية، فكنا نتسمَّر أمام الهاتف ليصل دورنا للتسجيل، خاصة في البرامج المُباشرة في الصباح والمساء، فما من طريقة إلا عبر الهاتف الثابت لعدم وُجُود الهاتف المحمول في ذلك الوقت، وفي حالة التواصل مع البرامج المُباشرة يكُون الجهد أكثر مشقة لانتظار الوقت المحدد، خاصة إذا كنت تودُّ تسجيل لقاء مع أحد المسؤولين؛ حيث يتطلب وجوده معك حتى يتم الاتصال بالإذاعة، بعدها تطورت وسائل العمل، وتم تزويدنا بأجهزة للتسجيل والمونتاج، وجهاز لربط جهاز التسجيل بالهاتف، وعلى الرغم من الجهد والتعب الذي كان يبذل، إلا أنَّ ذلك بالنسبة لنا يُعتبر متعة لا تضاهيها متعة، خاصة وأنت تؤدي واجبًا وخدمة للمُجتمع والوطن.
كانت الأستاذة مريم الصالح هي أكثر من تتولى تسجيل رسائلنا الصوتية، كانت صبورة علينا كثيرا، لا أدري أين هي الآن، كانت تقول لي من باب التحفيز: صالح صوتك إذاعيا يكاد يكسر جهاز التسجيل من قوته، فكنا نحاول توصيل الصوت قويا لكوننا نتحدث عبر الهاتف وفق الدقائق المحددة لنا، ومن الطرائف الجميلة: كنت يوما في مبنى الإذاعة وطلبت تسجيل الرسالة مُباشرة، فكلف الأستاذ أحمد الأزكي إحدى الأخوات لتسجيل رسالتي (فيما اعتقد كانت الأخت ليلى الحبشي إذا لم تخونني الذاكرة) حاولت جاهدة معي لكي أضبط صوتي لكونني داخل الاستيديو وليس في قُريات عبر الهاتف، فكانت تقول لي: كن رقيقا مع الميكرفون يا صالح، فتذكرت حينها وقفتي لأول مرة مع هذا الجهاز المهيب والساحر وعمري حينها لا يتجاوز الخامسة عشر سنة أمام الحصن، حينما طلب مني الوالي الشيخ محمد بن عبدالله البلوشي والي قُريات رحمه الله، بعدما تم تجهيز ساحة الحصن وتزيينها، لأعلن عن جاهزية قُريات للاحتفال بيوم العيد الوطني ونهضة عُمان الحديثة بقيادة مولانا السلطان.
كانت تلك بعض ذكرياتي مع الإعلام، فكلُّ المحبة والتقدير والثناء لجميع العاملين في مجال الصحافة والإعلام، الجُنُود الذين يعملون بجهد وصبر وثقة من أجل إسعاد الإنسان، ونشر الثقافة والمعرفة في كل وقت ومكان، وعلى رأسهم معالي الدكتُور وزير الإعلام ومعالي الدكتُور رئيس الهيئة العامة للإذاعة والتليفزيُون، فلهما جزيل الشكر على رؤيتهما وجُهُودهما للتطوير والتجديد والتشجيع، والتحفيز لمزيد من الإبداع والابتكار في مجال الإعلام.
متمنيا كل توفيق ونجاح للجميع لإيصال الرسالة السامية للإعلام العُماني إلى العالمية، بما يحقق المكانة الرفيعة للوطن. والله من وراء القصد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.