الجمعة، 8 أغسطس 2014

هدوء.. ذاكرة في مكتبة المعرفة

كثيرًا ما أرتاد مكتبة المعرفة، التي تَقَع بمنطقة سيح المالح بمرتفعات القرم بولاية مطرح، خاصَّة في الأيام التي كنت أسكن في مسقط.
قامتْ شركة تنمية نفط عُمان، مشكورة، بإنشاء هذه المكتبة عام 1990م؛ بمناسبة احتفالات السلطنة بالعيد الوطني العشرين المجيد؛ كمساهمة منها ضمن مسؤُوليتها الاجتماعية وتفاعلها في خدمة المُجتمع، وافتُتحت رسميًّا في 13 نوفمبر من نفس العام، وكانتْ تُسمى في حِينها بالمكتبة التقنية العامة؛ بهدف دعم التعليم التقني والبحوث.
هذه المكتبة حاليًا تحملُ اسم مكتبة المعرفة العامة، ويتولَّى إدارتها مُنذ العام 1996م ديوان البلاط السلطاني، وتضمُّ أقسامًا مُختلفة للمعرفة، وتضمُّ آلاف الكتب والموسوعات العلمية، والعديد من المجلات الثقافية والصحُف اليومية، إضافة لمكتبة سمعية وبصرية، وتمَّت توسعتها في السنوات القريبة الماضية لتضمَّ مكتبة للطفل، وقسمًا للكتب الإلكترُونية، ولديها العديد من الخدمات في مجال العلم والمعرفة.
وتوسَّعت المكتبة حاليًا في خدماتها بتنظيمِ مُحاضرات علمية وثقافية وتوعوية، وندوات ودورات تدريبية؛ بهدف التواصل وخدمة أفراد المُجتمع، وهي بحق مكتبة عامرة، تتميَّز بالهدوء وحسن التنظيم، وتضمُّ نخبةً من الشباب الواعي بأهمية دور المكتبة ضمن هيكلها الإداري والتنظيمي؛ فلهم جزيل الشُّكر والتقدير. تمنيت كثيرا أن تكُون في كل ولاية في عُمان مكتبة مثلها أو فرع منها، وأنصح دائما الشباب بزيارتها.
يومًا كُنت مُندمجًا في الكتابة على جهاز الحاسب الآلي، الذي تُوفره المكتبة لمرتاديها مجانا، كُنت أكتب مادة علمية، وبعد فترة من الزمن استوقفنِي أمين المكتبة باحترام وهدوء، وهو يُربت على كتفي، نظرتُ إليه باحترام أيضًا، وقال لي: "تضغط على لوحة المفاتيح بقوة، حتى ضَرَباتك على الأحرف تُحدِث إزعاجا، قد تكُون غير مُنتبه إليه". طبعا معه حق في ذلك؛ كون المكتبة تمتاز بهدوء شديد، رغم أنَّ كثيرا من مُرتادِيها من الطلاب بهدف البحث والمذاكرة أيضًا.
شكرتُه بعُمق على تنبيهِي لذلك، ووعدته بأنْ ألتزم الصمت والهدوء؛ لأنَّ الهدوء من طبعي دائما، لا أتحمَّل الزحمة ولا الضجة، وقد أتيتُ لهذه المكتبة كونها تمتازُ بهذه الخاصية، وهي طبيعة غُرِسَت في نفسي، ومن يتعامل ويتعايش معي يعرف عني ذلك جيدا.
أخذتُ نَفَسًا عميقًا، وإذا بالذاكرة تعُود إلى سنين طويلة، تحلل هذا الموقف، وتقارنه بأيَّام تعلُّمي للطباعة، فما إن دخلتْ تلك الآلة الغريبة علينا، وطُلِب منا التعامل معها، وتعلُّم مهارة الإتقان للعمل عليها من أجل طباعة المراسلات، وبحيث أن الجديد دائما يُحفِّزك على اكتشاف ما فيه، فقد حرصت على تعلُّم الطباعة في أيام محدُودة، كنت سريعا في الطباعة على تلك الآلة.
كَان العملُ على تلك الآلة يتطلَّب الضغطَ بقوة على مفاتيحها من أجل أن يخرج الحرف من بطنها، ليضرب شريط الحبر، ويرسم الحرف على الورقة، كان شريطُ الحبر يتحرك مع كل ضربة، وتسمع تلك النغمة من بعيد: تك تك تك... تك تك تك.
بَقيت تلك الضَّربات عالقة في عقلي الباطن، ومن حيث لا أدري أتعامل مع الأجهزة الجديدة، التي تعتمدُ على الحِنيَّة واللمسة اللطيفة، بنفس الطريقة القديمة، وبنفس السُّرعة أيضًا.
نِعْمَة الطباعة وتخزين المعلومة، لم تكن موجُودة كما نعيشها الآن؛ فكانت الطباعة تعتمدُ على الضرب على آلة ضخمة، وإذا أردت عمل نسخة من الرِّسالة يتطلب أن تضع كربونًا تحت الورقة، وإذا أردت الطباعة بكميات كبيرة يتطلَّب أن تطبعها على جهاز يُسمَّى استنسل؛ حيث تُطبع المادة على ورقة حريرية، ومن ثمَّ تُلصق على تلك الآلة ليتم النسخ.
وإذَا مَا أخطأت في كلمة، يتمُّ إزالتها بحبر أبيض، أو بسائل أحمر بالنسبة للاستنسل، وكم من مُعاناة ومشقَّة تكبدناها إذا ما قُدِّر لك أن تُعيد طباعة رسالة أو تقرير من أجل إضافة سطر أو جُملة، وكم خرجتُ من طباعة رسالة وبيدك بصمة الأحبار على أصابعك.
حاولتُ أن أعوِّد أصابعي على الوضع الجديد، إلا أنَّني لم أستطع على تحقيق ذلك، فهي تضرب كأنها تضرب وتحفر في الصخر، وهكذا الحياة من تغيُّر إلى تغيُّر، ومن محطة إلى أخرى، وكلُّ جيل يعيش أيامه ويحترم أيام الآخرين.. دُمتم بخير وهدوء وسكينة في كلِّ أيامكم أيُّها الأصدقاء الكرام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.