هذه بعضُ الذكريات، والمشاهد، والانطباعات، والمشاعر الشخصية، التي واكب بعضُها منظرًا لصُورة التقطتها من البيئة والطبيعة العُمانية، أو ذكرى من التاريخ والتراث الثقافي انطبعت في الذاكرة والوجدان، أو تأثر وانطباع خاص تجاه موقف أو مشهد من الحياة، أو شذرات من رُؤى ونظرة مُتواضعة إلى المُستقبل، أو وجهة نظر ومُقترح في مجال الإدارة والتنمية الإنسانية.. هي اجتهادات مُتواضعة، من باب نقل المعرفة، وتبادل الأفكار والخبرات، وبهدف التعريف بتراثنا الثقافي (المعنوي، والمادي، والطبيعي)، ومنجزنا الحضاري.
الجمعة، 24 أبريل 2015
الثلاثاء، 21 أبريل 2015
قِمَّة الإبداع
عَادَةُ ما يتم إنشاء المتاحف من أجل استذكار
الماضي، ولكن إنشاء متحف للمُستقبل، هو قمة الاهتمام بالإبداع والابتكار وصناعة
المعرفة.
الشايب مرهون
الشَّايب مرهون -رحمه الله- أحد سُكان قريتنا الجميلة المعلاة، كان ضرير البصر، لكنه حاد البصيرة، وقمة في التواضع والقناعة وعفة النفس وراحة البال، عاش هو وزوجته ضعيفة البصر أيضًا في خيمة مُتواضعة من سعف النخيل، كان محلَّ احترام وتقدير من قبل جميع أهل قريتنا، الجميع يكن له محبة غير عادية، ويتسابق كل جيرانه على خدمته وتوفير بعض مُتطلباته، يلقِّبونه بمرهون الشنجي، ولا أدري ما معنى هذا اللقب، على الرغم من سؤالي عنه عدة مرات.
فِي عَهْد النهضة المُباركة، تغيَّرت طبيعة الحياة في قريتنا، وانتشرت بيوت الأسمنت في كل مكان، إلا أنَّ الشايب مرهون لم تؤثر فيه تلك التغيرات الحياتية، ظلَّ مُحافظا على طبيعته وأسلوب حياته، حاوَل أصحاب الخير مُساعدته لبناء منزل له، إلا أنَّ الخيمة السعفية كانت مبتغاه وراحته.
كَان يَشعُر بسعادة غامرة في طريقة حياته، حَظِي بالضمان الاجتماعي من قبل الحُكُومة الرشيدة، وأتيحت له فُرصة التقدم للحُصُول على مسكن اجتماعي متكامل الخدمات إلا أنَّه لم يتقدَّم إلى ذلك، كان -رحمه الله- قنوعا ببساطة الحياة.
كَان يَصْرف راتب الضمان لتوفير مُتطلبات حياته وزوجته، كان يزور محلَّ والدي ليبتاع راشن بيته، إلا أنَّه الوحيد والأول من زبائن الدُّكان المُسدِّدين قيمة مشتريات الشهر في آخره، كان حريصًا على دفع ما عليه أولًا بأول، كان أمينًا بمعنى كلمة الأمانة، يحفظ كل ما اشتراه.
زَرَع أمام منزلِه نخلة قدمي، كان يرعاها هو وزوجته خير رعاية، كبرا معا حتى أصبحت النخلة عوانة، كانا يقتاتان من خير تلك النخلة: الرُّطب والتمر.. فنخلة القدمي عندنا مُبكِّرة الثمار وغزيرة الإنتاج، كان للقدمي شُهرة كبيرة عكس هذه الأيام؛ حيث تُقدَّم ثماره للحيوانات في ظل التنوع الكبير لثمار النخيل في وقتنا الحاضر.
كُنتُ أشعُر بسعادة غامرة عند زيارته، ما إن يسمع صوتي إلا ويناديني بالاسم بلهجته البدوية الجميلة، مُرحِّبًا بمحبَّة غامرة، كان حَسِن العشرة كثيرَ الاحترام للصغير والكبير، ليس له في القيل والقال، دائما ما يسلي نفسه ببعض المقاصب من الشعر والفُنُون العُمانية، إضافة لحديثه مع شريكة حياته الوفية.
كَانَتْ زوجته تعتمدُ على نفسها في تحضير بعض الوجبات، على الرغم من ضعف بصرها وكِبر سنها، وفي الكثير من الأحيان تجد من يُساعدها في ذلك من نساء الحارة.
دَخَلتْ الكهرباء القرية، وعمَّت المكيفات كلَّ بيت، إلا أنَّ الشايب مرهون فضَّل أن يحافظ على طبيعة حياته في تلك الخيمة والكرجين والعريش، كانت الطبيعة مَطْلبه طوال حياته.
فِي آخر أيام حياته، ظلَّ مُتشبثا بالقناعة والتواضع، لم تتغير طبيعة حياته ومعيشته أبدا رغم عُرُوض المساعدة من الجميع.
قَبْل سنوات، تُوفِّي الشايب مرهون الوفي وزوجته الطيبة إلى رحمة الله، وبعد أيام قليلة من وفاته وجدنا نخلة القدمي حانِية رأسها يابسة، ماتَت النخلة واقفة لتلحق بالجميع.
أُزِيلَت الخيمة الوحيدة في قريتنا، وكذلك تلك النخلة المُرتبطة بحياة الشايب مرهون الوفي، ومعها أيضا فقدت المعلاة ذاكرة للمكان والإنسان.
السبت، 18 أبريل 2015
ذِكريات
بَدَأ الصَّيف يزحف بخيراته، وأصبح لاهوب الغربي
يعصف بحرارته المتصاعدة، إلا أن تلك الواهيب يتبعها خير وفير؛ فلولاها ما ذُقنا
حبة رطب، تلك حكمة ربانية، وعلينا أن نتأقلم مع متغيرات الطبيعة؛ ففيها الخير
دائما.
زَمان، كان الأمر أصعَب، فيما نحن اليوم ننعم
بنعمة الكهرباء والمكيفات الباردة في كل مكان، ووسائل النقل أصبحتْ مُرِيحة أيضا،
جيلٌ ينعم بخيرات ورفاهية لم تعهد الأجيال السابقة الرُّبع منها.
وعَلى الرغم من هذا العيش الرغيد، إلا أنَّ الكثير
يحن إلى أيام زمان، أيام مياه الجحلة الباردة، ومياه الخرس والحب الزلال، أيام
الانغماس في مياه الطوي أو الفلج؛ حيث الشعور بطبيعة المياه وبرودتها، أيام الرقاط
وطلوع النخيل. أيَّام حبل الطلوع والميراد والمخلاه والقفير والزبيل والمخرافة
والجراب أو الظرف، أيَّام السفة وقلادة الحبال وخياطة الظرُوف بالمسلة والسرد، أيَّام
العساوة ولعبة طلوع النخيل ودوامة الخلال، أيَّام العريش والسجم والمسطاح، أيَّام
الهمبارة والزفانة.
فِي مثل هذه الأيام، يستعدُّ أهل الساحل للانتقال
من مساكنهم الأصلية، إلى حيث ظلال النخيل وأشجار اللمبا والفُرصاد والزيتون
والنبق، ويطلق على الذين يفدون لموسم القيظ بالحُضَّار أو الحضور، فيما يستقبلهم أصحاب
المزارع والفلاحون -والذين يطلق عليهم الحضر- بترحاب كبير، ويفتحون لهم مزارعهم
لإقامة مساكنهم المؤقتة (العرشان)، ويفرشون الأرض بمساطيحهم، دُون أي تذمُّر أو
أجر من المال.
مَوْسم القيظ مليء بالتقاليد والعادات الكثيرة؛ وأهمها:
تلك القناعة والصفاوة بين الناس، الجميع مستفيد من هذا الموسم، والجميع أيضًا يعمل
حتى الأطفال والنساء، حتى الفقير الذي لا يملك شيئًا من النخيل تكفيه الهدايا
والصدقات، والمَزَارع مفتوحة له على مصراعيها دُون وُجُود أي سياج أو شبك، الجميع
له الحق في أن يرقط (يلتقط) ما يتساقط من النخيل؛ سواءً كانت الثمار خلالا، أو
بسرا، أو رُطبا، أو سِحا.
هُناك أيضًا عادة طِناء النخيل، وهي عادة في
طريقها للانقراض، تتجلى فيها قيمة الاقتصاد الاجتماعي؛ بحيث يُتاح لجميع سُكان
القرية شراء ثمار النخيل بأسعار عادلة، هُناك عادات الجداد والخرافة والتبسيل
والكناز وزفانة الدعون وتبادل الهدايا وتسميها النساء بالسهايم، عادات تتجلى فيها
قِمَّة التعاوُن بين الناس، وأسمى أهداف مُؤسسات المُجتمع المدني بمفهُوم ذلك
الزمان.
الجمعة، 17 أبريل 2015
الخميس، 16 أبريل 2015
يومٌ تجلَّت فيه قيم رائعة
يوم الأربعاء الماضي، الموافق 15 أبريل 2015م، تشرفتُ
بالمُشاركة مع فريق من شباب الوطن ضمن لجنة شُكِّلت للإشراف على أول انتخابات
لتشكيل مجلس إدارة الجمعية العُمانية لذوي الإعاقة السمعية في سلطنة عُمان.
هَذِه الجمعية التي تمَّ تأسيسها بموجب قرار وزاري
من وزارة التنمية الاجتماعية، وعلى ضوء جُهُود مخلصة قام بها أهل الفضل والخير من
أبناء هذا الوطن العزيز، الذين أدركوا بحِسِّهم الوطني والإنساني إلى أهمية
الالتفات لهذه الفئة المُهمة من المُجتمع، وضرُورة العمل على فتح آفاق المُستقبل
أمامها للمُشاركة في مسيرة البناء والتنمية في البلاد، وقد تحقق لهم ما أرادوا
والحمد لله.
سَبَق يَوْم الانتخابات تحضيرات عديدة ولقاءات
مُستمرة وجُهُود مشتركة، وكان اتفاق الرأي على أن يتم تنظيم الانتخابات بطريقة
عصرية ومنظَّمة، وهي فُرصة لهدف أكبر، وهو ترسيخ هذا المفهُوم في عقولهم وفكرهم
ووجدانهم، وتكوين صُورة ذهنية واضحة لماهية الانتخابات وأهميتها، وكيف يتم اختيار
الشخص المناسب للمكان المناسب.
فكانت البداية بعقد لقاءات تعريفية استهدفت ذوي
الإعاقة السمعية على مُستوى السلطنة، قام بها أعضاء الفريق، وصاحبها إرسال رسائل
مُتعددة عبر وسائل الاتصال المُختلفة، وكانت لغة الإشارة إحدى الطرائق المُهمة
لتوصيل المعلومة، وقد نجح الفريق في ذلك.
بعدما فُتِح باب الترشح للانتخابات، تقدَّم للترشح
للانتخابات 25 شخصا للتنافس على عضوية مجلس الإدارة، المكوَّن من 12 فردا، كان هذا
الإقبال بمثابة بداية مُوفَّقة لمعنى التنافس في الانتخابات، وهو في نفس الوقت أدخل
في نفوسنا السعادة والسرور، خاصة في ظل ما نراه في الكثير من مُؤسسات المُجتمع
المدني الأخرى. وفي فترة الترشح لمجلس الإدارة، اهتمَّ المرشحون للانتخابات في
الدعاية عن أنفسهم، وكان بينهم اتصالات كثيفة، وهذا ما أبهر الجميع!
حدَّد الفريق مقرَّ الجمعية العُمانية للمرأة العُمانية
بالقرم مقرًّا للانتخابات، وقد تجمَّع فريق العمل من الساعة الثالثة بعد الظهر،
وسارت الأمور التنظيمية في مسارها الطبيعي، كما خُطِّط لها، بفضل تعاوُن الجميع.
كُنَّا نتوقَّع أن يحضر هذه الانتخابات عددٌ قليل،
وإلا وكانت المفاجأة الكبيرة بأنَّ جمعًا من ذوي الإعاقة السمعية في السلطنة قد
توافدوا جماعات من أجل المُشاركة في عملية التصويت، وكان من بينهم رجال من مُختلف
الأعمار، وكذلك نساء، ومنهن من قَدِمن وفي حُضنهنَّ أطفال صغار، رغبة في المُشاركة
في هذه الفعالية الرائعة.
اللَّجنة المنظمة كانتْ مُستعدة لهكذا موقف؛ لهذا
فقد قسمت العمل، فكان هُناك من يستقبلهم ويشرح لهم سير إجراءات الانتخابات، وهُناك
من يُدوِّن الأسماء في سجل الانتخابات، وهُناك من تولَّى صَرف استمارات التصويت
بأرقام مُتتالية، والتي تحمل أسماء وصور المترشحين، وهُناك من يعمل على تنظيم
الدُخُول لقاعة التصويت، وشرح إجراءات التصويت باستخدام لغة الإشارة.
قاعة التصويت تمَّت تهيئتها بطريقة مشابهة
لانتخابات مجلس الشورى؛ بحيث يُتاح للناخب أن يختار الأسماء لمجلس الإدارة بكل حُرية
وشفافية تامة، ومن ثمَّ يطوي ورقة التصويت ويضعها في الصُندُوق الزجاجي الشفاف بنفسه،
وأمام لجنة التنظيم والمراقبين لسير الانتخابات من أعضاء الجمعية والمُجتمع.
بَعْد الانتهاء من عملية التصويت -بمُشاركة عددية
كبيرة وصلت إلى 343 مشاركا من مُختلف ولايات السلطنة- تمَّ إجراء عملية فرز
الأصوات بصُورة علنية أمام المترشحين أو من ينوب عنهم، وكذلك بحُضُور بعض الصُّم
والمهتمين بشؤونهم كمراقبين لعملية الفرز ولسير الانتخابات.
وَكَانَت عملية الفرز أيضًا تتم بطريقة حديثة،
وبمُراجعة دقيقة؛ حيث تم في البداية حصر جميع عدد الاستمارات الموجودة في صناديق
الاقتراع، للتأكد من أن عددها مُطابقٌ لعدد الناخبين المسجلة أسماؤهم في الكشوفات،
ومن ثمَّ بدأت عملية تفريغ الاستمارات من قبل فريقين على لوحات فرز حائطية أعدت
لذلك؛ بما يُعطِي فُرصة لجميع الحاضرين في القاعة لمتابعة عملية الفرز.
وَمِن ثمَّ أُعلنت النتيجة مُباشرة أمام الحضور،
وكان من بين الفائزين ثلاث نساء، وكان من يُمن الطالع أن يُصادف تلك الليلة في
الجمعية حفلة زواج في القاعة المجاورة؛ فاحتفلنا جميعاً، وكان بدل العُرس عُرسين؛ فباركنا
للجميع بهذا اليوم السعيد، شاكرين ومقدرين لكل جهد بذل من أجل خدمة المُجتمع.
وفِي طريق عَودتي إلى البيت من مسقط إلى قُريات، سَرَحتُ
مُتأمِّلا في هجعة الليل وهدوء المساء بمُجريات الأحداث لهذا اليوم، وقد خرجت
بنتائج عديدة؛ من بينها:
1- أثبت أصحاب الإعاقة السمعية أنهم يمتلكون حسًّا
وطنيًّا وإنسانيًّا راقيًا جدًّا.
2- أفرزت الانتخابات لمجلس إدارة الجمعية شخصيات
مؤهلة لقيادة الجمعية، وهذا دليلٌ على أن الاختيار كان دقيقا.
3- هُناك من بَيْن ذوي الإعاقة السمعية من يمتلك
ثقافة عالية تفوق غيرهم من الناطقين.
4- العدالة، والشفافية، والحُرية، وحُسن التنظيم..
طريقٌ مُهمٌّ للنجاح وتحقيق الأهداف وفرض النظام.
والله من وراء القصد...،
الاثنين، 13 أبريل 2015
خور الملح بولاية قريات
هَذَا المنظر من خور الملح، القريب من دغمر بولاية
قُريات، وهو قريب من شاطئ جميل تتكاثر فيه الطيور الجميلة والأحياء المائية،
والعديد والكثير من الحياة الفطرية.
فِي هَذَا الموقع، قامت حضارة إنسانية في الألف
الرابع إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وهُناك دراسات علمية وتاريخية قد أثبتت ذلك.
هَذَا الموقع أيضًا يُمثِّل مصدرا اقتصاديًّا لو
استُثمر بطريقة صحيحة؛ حيث أرضه خصبة لإنتاج ملح الطعام ذي الجودة العالية،
والأهالي ما زالوا يعملون في إنتاجه بطريقة تقليدية، وهُناك تخوُّف وقلق من اندثار
هذه المهنة.
أَضِف إلى ذلك أنه يُشكل أيضًا مقصدًا سياحيًّا
للكثير من الزائرين لولاية قُريات، خاصة من الدول الأجنبية؛ كون أرضيته فريدة
وتربته تحتوي على مُكونات طبيعية تتكاثر فيها العديد من الأحياء والنباتات.
نِدَاء إلى الهيئة العامة للصناعات الحرفية ووزارة
التجارة والصناعة، وكذلك وزارة التراث والثقافة، ووزارة السياحة، بضرُورة الاهتمام
بهذا الموقع التاريخي المهم.
حيل الغاف
خُضْرَة دائمة، وظلال وارفة، ومياه عذبة باردة،
وقلاع وأبراج شامخة، وذكريات جميلة.. هذه هي حيل الغاف بولاية قُريات، جنَّة الله
في أرضه.
وَصَفَها العلامة الشيخ سالم بن حمود السيابي -رحمه
الله- بأنها: "ذات المنظر الرايق، والفضاء الفايق، والهواء السجسج، ولا
تعادلها بلدة في ذلك الجانب؛ لأنها من العُمران الجديد؛ إذ خطها أكابر من آل
بوسعيد، على نظام مبهج، ووضع مستحسن".
أَشْجَار المانجو بحيل الغاف من الأشجار المعمِّرة
في عُمان، وتمتاز ثمارها بطعم فريد قد لا تجد له مثيل في العالم، وهو أنواع وله
مسميات عديدة؛ وأهمها: ثمار شجرة الحلقوم.
يَذكُر لي أحد الأصدقاء من سُكان مسقط، أنه كانت
تشحن قوارب من قُريات إلى مُختلف مدن عُمان بثمار المانجو ذات الروائح الزكية
والطعم الرائع، خاصة إلى بندر مسقط ومطرح.
ويَذكُر آخر تلك الأيام الجميلة؛ حيث الحركة والنشاط
في تبسيل ثمار نخل المبسلي، ووُجُود مُعاصر قصب السكر العُماني بحيل الغاف.
وزير الزراعة السابق -حسب رواية سمعتها، يوم أمس، بأنه-
عندما تذوق ثمرة شجرة الحلقوم الشهيرة في حيل الغاف بإحدى الموائد فقد شده طعم تلك
الثمرة اللذيذة، وعندما أخبر بأنها من عُمان، وبالتحديد من حيل الغاف، زارها شخصيًّا
لمعاينة تلك الشجرة الفريدة والوحيدة، وهي الشجرة الوحيدة أيضًا التي يتم حجز
ثمارها من كبار القوم قبل نضجها.
وعِند سُؤالي عن هذه الشجرة بالأمس، ومدى جودة
الثمار لهذا الموسم، يخبرني أحد الأصدقاء بأنَّ شجرة الحلقوم ودعت حيل الغاف مُنذ
فترة، فقد عَصفت الرياح بتلك الشجرة واجتذتها من عروقها، أما ثمار باقي الأشجار
فتسلَّط عليها الوافدون يفتكونها من عناقيدها أخضر قبل نضجه ليصنع منه أتشار، وله
سوق وطلب كبير.
سألته: مَاذَا عن شجرة الحلقوم، ألم يتم استنبات
بعض الفسائل من هذه الشجرة؟ لزم صديقي الصمت، ولمحت على وجهه الأسف لما حدث!
اليوم، حيل الغاف تَشْهد حركة زراعية جديدة، لا
سيما في زراعة فاكهة الموز والفيفاي، وأصبح فلجها أكثر غزارة بالمياه بسبب أيام
الخصب التي شهدتها الوُلاية في الأيام القريبة الماضية.
الجمعة، 10 أبريل 2015
برنامج المشهد الثقافي
تابعتُ، مساء أمس، برنامجَ "المشهد الثقافي"
على إذاعة سلطنة عُمان، الذي يُقدِّمه الأستاذ الأديب سليمان المعمري، "المشهد
الثقافي" من البرامج الرائعة والممتعة في الإذاعة؛ حيث من خلاله يمكن متابعة
الحراك الثقافي في السلطنة.
استضافَ البرنامج -في حلقته هذا الأسبوع- الأستاذ
القدير والباحث خميس العدوي رئيس الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء في السلطنة،
وركَّز اللقاءُ على اجتماع الجمعية العمومية للجمعية لهذا العام، وما دار في
كواليسها، لم يَكُن سليمان المعمري حادًّا كعادته في أسئلته وانتقاده كما تابعته
في صفحته على وسائل التواصل الاجتماعي حول اجتماع الجمعية العمومية للجمعية العُمانية
للسينما، وليتَه استضافَ رئيسها أيضًا كما استضاف رئيس جمعية الكتاب والأدباء في
هذا البرنامج؛ حتى يكُون هُناك نوع من التنوُّع والمصداقية والحياد في هذا المجال.
وفي الحقيقة، ومن خلال مُتابعتي عن بُعد للجمعية
العُمانية للكتاب والأدباء، فهي لها نشاط لا بأس به في ضوء الإمكانات المتاحة، كما
لها نشاطات عديدة ومشاركات فاعلة على المُستوى الإقليمي والدولي، تابعناها في الصحافة
المحلية وفي وسائل الإعلام المُختلفة، إلا أنَّ مثل هذه الأنشطة لا شك تحتاج إلى
تسويق أكثر مما هو عليه الآن.
ما استوقفَنِي في هذا اللقاء الإذاعي هو موضُوع
عدد حضور أعضاء الجمعية العمومية للجمعية للاجتماع، وعلى الرغم من الإعلانات التي
نُشرت عن موعد انعقاد الجمعية، إلا أن الحضور كان لا يرقى لمُستوى الجمعية ومكانة
أعضائها الثقافية والأدبية، كان الحضور ليس بمُستوى الطموح كما عبر بذلك رئيس
الجمعية.
وأنَا أستمع لهذا الكلام -وهو سائد، وتعاني منه
مُختلف مُؤسسات المُجتمع المدني الأخرى أيضا- فهُناك تراجع في الإقبال على مثل هذه
المُؤسسات على الرغم من تنامي الوعي الجمعي بأهميتها وتشجيع المُؤسسات الرسمية
لوجودها كشريك فاعل في مسيرة التنمية في السلطنة، وهذا ما تُعَاني منه أيضًا
الكثير من دُول العالم، خاصة العربية منها -كُنت أسأل نفسي: لِمَ يعزف المُثقفون
والكتاب عن حضور مثل هذا الاجتماع؟
هَذَا الأمرُ يحتاج إلى وقفة ودراسة متعمقة من قبل
الجميع، بما فيها وزارة التنمية الاجتماعية... وغيرها من المُؤسسات الإعلامية
والمُجتمعية؛ فجميعنا يُدرك أنَّ مُؤسسات المُجتمع المدني أصبحتْ اليوم يعوَّل
عليها الكثير، ولا يُمكن لأيِّ مُجتمع الاستغناء عنها طالما أصبحنا نؤمن بأنَّ
التنمية يجب أن يُشارك في صياغتها وصناعتها ثلاثة قطاعات رئيسية في الدولة؛ وهي:
الحُكُومة، والقطاع الخاص، والمُشاركة الأهلية - ممثلة في مُؤسسات المُجتمع المدني.
العُمانيون مُنذ قديم التاريخ لهم مُبادرات خيرية
كثيرة، وهم من بين أهم شعوب العالم الذين أسهموا في تأسيس مثل هذه المُؤسسات
المُجتمعية، كمُؤسسات الوقف ومُؤسسات إدارة الأفلاج ولجان سُنن البحر، وكذلك لَدَى
أهل الصحراء والبادية، وكذلك هي التعاوُنيات لدى أهل الحرف والمهن التقليدية..
وغيرها. والمُتمعِّن في هذه المُؤسسات، يجد أنها قامت بشراكة مُجتمعية يُبتغَى بها
وجه الله وخدمة المُجتمع، ولم تَكُن يومًا لأهداف مُوجهة أو لأغراض شخصية، أو لهدف
كسب الشهرة أو تحقيق مكاسب مادية أو معنوية.
فِي عَهْد النهضة المُباركة، كانتْ عُمان سبَّاقة
في الاهتمام بمُؤسسات المُجتمع المدني، وقد أكَّد جلالة السلطان المُعظم -حفظه
اللهُ ورعاه ومتعه بالصحة والعافية- على أهميتها في العديد من خطاباته؛ فهو يقول:
إنَّ نجاح أية تنمية، وإنجازها لمقاصدها، إنما هو عمل مشترك بين أطراف ثلاثة:
الحُكُومة، والقطاع الخاص، والمُواطنين، وعلى كل طرف من هذه الأطراف أن يتحمل
واجباته بروح المسؤُولية، التي لا ترقَى الأمم في درجات التقدم والتطور إلا إذا
تحلَّت بها، ولا تهوى في دركات التخلف والتأخر إلا إذا تخلت عنها.
النِّظَام الأساسي للدولة أيضًا أكَّد على حُرية
تكوين الجمعيات على أسس وطنية ولأهداف مشروعة ووفقا للقانُون، والسَّلطنة قد أصدرت
أول قانُون عصري لتنظيم الأندية والجمعيات في العام 1972م، وهي بذلك من الدول
السباقة في هذا المجال في محيطها الإقليمي.
اليَوم، لا ينقصنا وُجُود جمعيات، وإنما ينقُصنا
الوعي بأهمية هذه الجمعيات لدى أفراد المُجتمع، وينقُصنا أيضًا عوامل تفعيل هذه
المُؤسسات بطريقة صحيحة. مُؤسسات المُجتمع المدني يجب أن تقوم على أصول علمية
وإستراتيجيات وخطط مدروسة، تتناسب مع واقع ومُتطلبات المُجتمع واحتياجاته الحالية
والمُستقبلية، ومن المُهم أيضًا أن يتم إدارتها بطريقة عصرية وليست بطريقة
ارتجالية، وأن تدار أيضًا وفق أنظمة وسياسات واضحة، هدفها الرُّقي بالوطن
والمُجتمع والإنسان أولا وأخيرا، دُون الالتفات إلى تقليد الغير.
مَا ينقصُ هذه المُؤسسات حاليًا أيضًا هو تعزيز
جُهُودها التسويقية في خلق صُورة ذهنية لرؤيتها، ورسالتها، وأهدافها، وبرامجها، وأنشطتها
لدى عملائها أو المنتسبين إليها، وكذلك لدى الرأي العام في محيطها الداخلي
والمحلي، نجاح التسويق في مُؤسسات المُجتمع المدني علامة فارقة لنجاح إداراتها بكفاءة
وفاعلية في جذب الناس إليها والتفاعل مع أنشطتها، وهو أيضًا تأكيد على مدى تفاعلها
وقُدرتها على التكيف مع تطورات بيئتها.
الإعلام أيضًا عليه مسؤُولية كبيرة في تغيير المفاهيم
التقليدية وسلوك المُجتمع تجاه مُؤسسات المُجتمع المدني؛ فالإعلام أداة مُهمة
وفاعلة لبرمجة العقول ولرقي الفكر وسمو الوجدان، نظام التعليم واتجاهاته هو أيضًا
عليه حمل كبير تجاه ترسيخ مفهُوم العمل التطوعي والمُشاركة المُجتمعية لدى الأجيال.
هي إذن مسؤُولية مُشتركة، وعملية تراكمية، تحتاج
جهدًا ووقتًا ومُشاركة مؤسسية ومُجتمعية فاعلة ومُستمرة.
الأربعاء، 8 أبريل 2015
السبت، 4 أبريل 2015
الجمعة، 3 أبريل 2015
اليمن
اليَمَن حضارة إنسانية لا تستحقُّ أنْ تُدك بهذه
الصواريخ العمياء. أوقفوا هذه الحرب على اليمن.. مشاهد تُؤلم القلب تبثها وكالات
الأنباء الفضائية، الحربُ لا يُمكن يومًا أن تَصْنَع سلامًا. أوقفوا هذه الحرب في
اليمن، فهي حضارة تستحقُّ البناء والتنمية وليس الدمار والخراب وتهجير الإنسان.
السلام في عُمان
السَّلام في عُمان مُنذ فجر التاريخ هو هدفٌ
إستراتيجيٌّ، وأحد المبادئ المُهمة الموجِّهة للسياسة العُمانية داخليا وخارجيا في
عهد النهضة المُباركة بقيادة جلالة السلطان المُعظم -حفظه اللهُ ورعاه.
الخميس، 2 أبريل 2015
الوطني
الإنسان في هذه الحياة تمرُّ عليه مواقف وشخصيات
عابرة، يتعلَّم منها الكثير، وتبقى عالقة في ذاكرته، خاصة إذا كانت تلك الشخصيات
تتَّسم بشيء من التميُّز في جانب من جوانب الشخصية الإنسانية، وتحمل خصلة حميدة من
خصال قيمنا الرفيعة.
كَمَا تعدُّ الحياة المدرسية في جميع مراحلها مَحطة
مُهمة من محطات حياة الإنسان، لا يعرف قيمتها وأهميتها وجمالها إلا بعد ما يأخذه مُعترك
الحياة في دواماتها اليومية ومحطاتها المتراكمة والمُتتالية.
لهذا؛ تجدُ للحياة المدرسية والجامعية ذكرى طيبة
في النفوس، ولها أيضًا ذكرٌ على الألسن متى ما عادت ذكرياتها بين الأصدقاء
والزملاء عند اللقاء.
قَبْل أيَّام، استمعتُ في مجلس أخوي إلى حُوار
الذكريات بين جيلين، جمعتهما مهنة سامية كمعلمين في قطاع التربية والتعليم، أحدهم
ينتمي إلى جيل ما قبل السبعينيات وما بعدها بعقد من الزمن، والآخر إلى جيل
الثمانينيات وما بعدها.
كلاهما اتَّفق على أنَّ الولاء الوظيفي لهذه
المهنة في العقود الثلاثة الأولى ما بعد السبعينيات -بداية التعليم العصري في
عُمان- كان أكثر تضحية وثراءً وعطاءً وإحساسًا بالمسؤُولية، مقارنة بما عليه الآن،
كما أنَّ المناهج التعليمية في تلك الحقبة كانت الأكثر تركيزا وجودة ومضمُونا قيميًّا،
مُقارنة بالمناهج الحالية الأكثر اتساعًا وعُمقا وتعدُّدا.
وتطرَّقا أيضًا إلى مواضيع عديدة شيقة فيما يتعلق
بالولاء الوظيفي، ومسألة الإخلاص للمهنة، وما يواجهه قطاع التعليم من تحديات
عديدة، وكذلك فيما يتعلق بالقناعات وتغيُّر القيم والمفاهيم بين الأجيال، ونظرة كل
جيل إلى الحياة ومُتطلباتها.
حَدِيثُهم هذا عن الولاء الوظيفي والتعليم، وأيام
المدرسة، أعَاد بي الذاكرة إلى شخصية بسيطة في عِملِها، لكنها أعطتْ درسًا كبيرًا
في الولاء الوظيفي وحب العمل والإخلاص فيه، شخصيَّة لها قيمة كبيرة في العطاء
والمُثابرة والتواضع وحب الوطن.
هَذِه الشخصية عاصرْتُها في مراحل دراستي الأولى..
رجلٌ عشق عمله وأخلص له، تجدُه في مدرسته في ساعات الصباح الباكر، ولا يغادرها إلا
في المساء، كان حريصًا على سلامة محتويات المدرسة ونظافتها، ينظرُ إلى المدرسة
بمثابة بيته، ويعامِل زملاءه كأنهم إخوته، ويتعامل مع طلاب المدرسة كأنهم أولاده،
أحبَّ عمله وأحبه الجميع.
كُنَّا نتهافتْ على تلك الطباشير الملونة التي كان
يكلف بتوزيعها على الفصول بقياس ومقدار دُون إهدار، كان حريصًا جدًّا على كل شيء،
وكان ناصحًا ومُربيا، ومنظما دقيقا لوقت عمله، يعمل بصمت وهدوء غريب، يعمل بلا كلل
أو ملل، ولم نسمع عنه يوما متذمرا أو شاكيا، وليس له في القيل والقال، المهم أن يُنجز
عمله بإتقان، واستمر في ذلك حتى آخر يوم في عمله.
كان المعلمون ينادونه بالوطني، وهكذا عرف أيضًا
عند الناس، حتى أولاده معروفون أكثر بأولاد الوطني، مات الرجل مُنذ سنوات منتقلاً إلى
رحمة الله، ولكنْ ظلَّ لقبه باقيا، وظلت ذكراه الطيبة باقية في قلوب الجميع إلى
اليوم.
سوقة
للمكان ذاكرة وان تقادم الزمان، وتعاقبت الأيام.. ذكريات عايشتها في سُوقة..
سُوقة.. قرية وادعة في أحضان الجبال الشاهقة، تلك
السلسلة الجبلية التي تحيط بسوقة من جميع الجهات أكسبتها مهابة وجمال؛ فهي متنوعة
الصخور والألوان والتكوينات الطبيعية، وعلى الرغم من وعورتها وصعوبة العيش فيها، إلا
أن الإنسان العُماني قد كون فيها مستوطنة بشرية مُنذ قدم التاريخ.
فقد تحدَّى تلك الطبيعة وصعوبتها، وعمل بجد وعزم
من أجل تطويع تلك التضاريس الصعبة لخدمته؛ فشقَّ فيها فلجًا يسيل كسلسبيل رقراق
بين حواف الجبال والصخور الصماء، ليسقي مزارعها وحدائقها الغناء، والأفلاج في
عُمان في حدِّ ذاتها معجزة وهندسة عُمانية حارت أمامها العقول والعلوم الحديثة.
سُوقة.. هي أيضًا واحة خضراء، تكسُوها السكينة
والهدوء والصفاء، لا تسمع فيها ضجيجا ولا حركة مزعجة، تسمع فيها تغريدات الطيور،
وحركة الرياح بين جنادل الصخور، وتشعر فيها بنسمات الهواء وحفيف أغصان الأشجار
المتمايلة، خاصة نخيلها الباسقة في عنان السماء الصافية، كنخلة البونارنجة
والنغال، وهي أشهرها على الإطلاق.
قديمًا، كان طريق حباسة، هو الطريق الوحيد المؤدِّي
إلى سوقة، يسلكه البشر سيرًا على الأقدام، عَبْر ممر مائي لوادي العربيين رائع
الجمال، ومن ثم تسلق ذلك الجبل الفاصل بين القريتين.
اختَرَع القدماء طريقة لمساعدة السالك لذلك الممر
الجبلي، فمدُّوا حبالًا سبعة متفرقة على ارتفاع ذلك الجبل، وتمَّ ثقب بعض الصخور؛ حيث
رسغت فيها أطراف تلك الحبال، فمتى واجه الماشي صعوبة لتخطي تلك الصخور والجنادل
العملاقة على ارتفاع الجبل مسك الماشي بذلك الحبل لمساعدته؛ سواءً كان ذلك أثناء
الصعود أو الهبوط.
يُحدِّثني أحد شياب سُوقة أنَّه في الأزمنة
الغابرة سقط رجل وابنه من أعلى ذلك الجبل؛ فقد كان يحملُ ابنه على كتفيه عند نزوله
من الجبل، وهو يُمسك بالحبل اختلَّ توازن ذلك الطفل، فأراد الوالد أن يُمسك طفله
وإنقاذه قبل نفسه، فإذا الاثنان تتلقفهما صُخُور قاع الوادي لتعلن نهايتهما في
الحال.
استمرَّ استخدامُ تلك الحبال عقودًا من الزمن، وفي
السبعينيات من القرن الماضي استُبدلت تلك الحبال عدة مرات بحبال وسلاسل حديدية
أكثر قوة ومناعة، إلا أن الطائرة العمودية أو المروحية قد حلت الكثير من إشكاليات
التنقل إلى تلك القرية الجميلة، وكان حينها يتم بالطائرة نقل الركاب والمؤن
ومستلزمات السكان ومواد البناء، وكذلك يتم علاج المرضى عبر الطبيب الطائر ضمن
برنامج دوري ومُستمر يزور سوقة والقرى الجبلية المجاورة لها، وجميعها خدمات تقدمها
الحُكُومة الرشيدة بالمجان.
حُمُود بن راشد بن سالم الربخي، أحد سُكان سُوقة
وأعيانها، شخصية متزنة وهادئة، وصاحب خُلق رفيع ومُحب لبلده، عمل جاهدا على
التعريف بقريته، وكان يقضي الأيام متنقلا بين قُريات ومسقط لقضاء حوائج جماعته
وتلبية طلباتهم، تجده متنقلا من مُؤسسة إلى أخرى للمطالبة بتوفير الخدمات
المُختلفة لسوقة وسكانها، لم يترك مسؤولا إلا وطرق باب مكتبه من أجل توفير خدمة
لقريته؛ لهذا أصبح معروفا لدى العامة والخاصة، وبسببه زار سوقة العديد من المسؤولين
من أجل معاينة واقع أهل سوقة وتقديم الخدمات اللازمة لهم.
رَفَض أنْ يترك سُوقة عندما عُرِض عليه وسكانها
الانتقال إلى موقع آخر أكثر سهولة في التنقل وراحة في الحُصُول على الخدمات، فقد
كان مُرتبطا بالأرض والمكان، فهو يرى أن تلك الجبال المحيطة بقريته فيها أسرار
الحياة والبقاء، وعلى الرغم من وعورتها وصعوبتها، إلا أنه يستمد منها الطاقة والنشاط،
ويشعر فيها بالراحة والاستقرار.
كَانَ مُصرًّا على أن يشق طريق لسوقة، كان لديه
حلم أن يرى السيارة تتجول في أرجاء قريته لتنقل الأطفال إلى المدرسة، وبعد مطالبات
مُلحَّة وعديدة قرَّرت البلدية في التسعينيات أن يُشق لسُوقة طريق جبلي، وبعد الدراسة
والمعاينة من قبل المُهندسين لتلك الجبال، تقرَّر أن يكُون مساره من قرية إسماعية،
وهي قرية تطل على وادي الطائيين وإبراء، وقد شق ذلك الجبل بصعوبة كبيرة لطبيعة
صخوره الصلدة، فراحة وخدمة الإنسان في عُمان هي الأولى دائما مهما كانت صعوبة
التضاريس.
بَعدما انتهى شقُّ ذلك الطريق الترابي عبر الجبال،
أصبحت سوقة مزارا للجميع، وأدخلت إليها أيضًا لاحقا خدمة الكهرباء، وارتفعت فيها
المباني الحديثة. كَمْ كانت السعادة ظاهرة على حُمود الربخي وجماعته يوم دُخُول
أول سيارة إلى عُمق سوقة، وبحكم علاقتي الشخصية به فقد كان يحلم دوما بأن لا يفارق
سوقة سُكانها، وأن تتطوَّر قريته وتتوافر فيها كافة الخدمات، وكان في ذلك ساعيا
دُون كلل أو ملل.
مُنذ سنوات، وفي ذات يوم ماطر، يعبر حمود الربخي
بسيارته يقودها أحد أبنائه، مُتوجها إلى قريته الجميلة سوقة، يتخطَّى ذلك الممر
والخانق الجبلي، لتنحرف بهم السيارة بين الصخور وتهوي بهم في قاع ذلك الوادي
السحيق، وتَتَناقل الأخبار أنَّ حمود الربخي وابنه قد فارقا الحياة في حادث سير في
ذلك الطريق، الذي كان يومًا بالنسبة له حلمًا، وقد سعى وطالب بتحقيقه طوال سنوات عمره.
رَحْمَة الله عليك أيُّها الشيخ الجليل؛ فقد كُنتُ
مثالًا للحب والوفاء والإخلاص وخدمة أبناء بلدتك. (الصورة تعود إلى بداية التسعينيات، زيارة لبعض المسؤولين لقرية سوقة، وحمود الربخي في وسط الصورة التاسع من اليمين، وكان لي شرف مرافقتهم).
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)