تابعتُ، مساء أمس، برنامجَ "المشهد الثقافي"
على إذاعة سلطنة عُمان، الذي يُقدِّمه الأستاذ الأديب سليمان المعمري، "المشهد
الثقافي" من البرامج الرائعة والممتعة في الإذاعة؛ حيث من خلاله يمكن متابعة
الحراك الثقافي في السلطنة.
استضافَ البرنامج -في حلقته هذا الأسبوع- الأستاذ
القدير والباحث خميس العدوي رئيس الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء في السلطنة،
وركَّز اللقاءُ على اجتماع الجمعية العمومية للجمعية لهذا العام، وما دار في
كواليسها، لم يَكُن سليمان المعمري حادًّا كعادته في أسئلته وانتقاده كما تابعته
في صفحته على وسائل التواصل الاجتماعي حول اجتماع الجمعية العمومية للجمعية العُمانية
للسينما، وليتَه استضافَ رئيسها أيضًا كما استضاف رئيس جمعية الكتاب والأدباء في
هذا البرنامج؛ حتى يكُون هُناك نوع من التنوُّع والمصداقية والحياد في هذا المجال.
وفي الحقيقة، ومن خلال مُتابعتي عن بُعد للجمعية
العُمانية للكتاب والأدباء، فهي لها نشاط لا بأس به في ضوء الإمكانات المتاحة، كما
لها نشاطات عديدة ومشاركات فاعلة على المُستوى الإقليمي والدولي، تابعناها في الصحافة
المحلية وفي وسائل الإعلام المُختلفة، إلا أنَّ مثل هذه الأنشطة لا شك تحتاج إلى
تسويق أكثر مما هو عليه الآن.
ما استوقفَنِي في هذا اللقاء الإذاعي هو موضُوع
عدد حضور أعضاء الجمعية العمومية للجمعية للاجتماع، وعلى الرغم من الإعلانات التي
نُشرت عن موعد انعقاد الجمعية، إلا أن الحضور كان لا يرقى لمُستوى الجمعية ومكانة
أعضائها الثقافية والأدبية، كان الحضور ليس بمُستوى الطموح كما عبر بذلك رئيس
الجمعية.
وأنَا أستمع لهذا الكلام -وهو سائد، وتعاني منه
مُختلف مُؤسسات المُجتمع المدني الأخرى أيضا- فهُناك تراجع في الإقبال على مثل هذه
المُؤسسات على الرغم من تنامي الوعي الجمعي بأهميتها وتشجيع المُؤسسات الرسمية
لوجودها كشريك فاعل في مسيرة التنمية في السلطنة، وهذا ما تُعَاني منه أيضًا
الكثير من دُول العالم، خاصة العربية منها -كُنت أسأل نفسي: لِمَ يعزف المُثقفون
والكتاب عن حضور مثل هذا الاجتماع؟
هَذَا الأمرُ يحتاج إلى وقفة ودراسة متعمقة من قبل
الجميع، بما فيها وزارة التنمية الاجتماعية... وغيرها من المُؤسسات الإعلامية
والمُجتمعية؛ فجميعنا يُدرك أنَّ مُؤسسات المُجتمع المدني أصبحتْ اليوم يعوَّل
عليها الكثير، ولا يُمكن لأيِّ مُجتمع الاستغناء عنها طالما أصبحنا نؤمن بأنَّ
التنمية يجب أن يُشارك في صياغتها وصناعتها ثلاثة قطاعات رئيسية في الدولة؛ وهي:
الحُكُومة، والقطاع الخاص، والمُشاركة الأهلية - ممثلة في مُؤسسات المُجتمع المدني.
العُمانيون مُنذ قديم التاريخ لهم مُبادرات خيرية
كثيرة، وهم من بين أهم شعوب العالم الذين أسهموا في تأسيس مثل هذه المُؤسسات
المُجتمعية، كمُؤسسات الوقف ومُؤسسات إدارة الأفلاج ولجان سُنن البحر، وكذلك لَدَى
أهل الصحراء والبادية، وكذلك هي التعاوُنيات لدى أهل الحرف والمهن التقليدية..
وغيرها. والمُتمعِّن في هذه المُؤسسات، يجد أنها قامت بشراكة مُجتمعية يُبتغَى بها
وجه الله وخدمة المُجتمع، ولم تَكُن يومًا لأهداف مُوجهة أو لأغراض شخصية، أو لهدف
كسب الشهرة أو تحقيق مكاسب مادية أو معنوية.
فِي عَهْد النهضة المُباركة، كانتْ عُمان سبَّاقة
في الاهتمام بمُؤسسات المُجتمع المدني، وقد أكَّد جلالة السلطان المُعظم -حفظه
اللهُ ورعاه ومتعه بالصحة والعافية- على أهميتها في العديد من خطاباته؛ فهو يقول:
إنَّ نجاح أية تنمية، وإنجازها لمقاصدها، إنما هو عمل مشترك بين أطراف ثلاثة:
الحُكُومة، والقطاع الخاص، والمُواطنين، وعلى كل طرف من هذه الأطراف أن يتحمل
واجباته بروح المسؤُولية، التي لا ترقَى الأمم في درجات التقدم والتطور إلا إذا
تحلَّت بها، ولا تهوى في دركات التخلف والتأخر إلا إذا تخلت عنها.
النِّظَام الأساسي للدولة أيضًا أكَّد على حُرية
تكوين الجمعيات على أسس وطنية ولأهداف مشروعة ووفقا للقانُون، والسَّلطنة قد أصدرت
أول قانُون عصري لتنظيم الأندية والجمعيات في العام 1972م، وهي بذلك من الدول
السباقة في هذا المجال في محيطها الإقليمي.
اليَوم، لا ينقصنا وُجُود جمعيات، وإنما ينقُصنا
الوعي بأهمية هذه الجمعيات لدى أفراد المُجتمع، وينقُصنا أيضًا عوامل تفعيل هذه
المُؤسسات بطريقة صحيحة. مُؤسسات المُجتمع المدني يجب أن تقوم على أصول علمية
وإستراتيجيات وخطط مدروسة، تتناسب مع واقع ومُتطلبات المُجتمع واحتياجاته الحالية
والمُستقبلية، ومن المُهم أيضًا أن يتم إدارتها بطريقة عصرية وليست بطريقة
ارتجالية، وأن تدار أيضًا وفق أنظمة وسياسات واضحة، هدفها الرُّقي بالوطن
والمُجتمع والإنسان أولا وأخيرا، دُون الالتفات إلى تقليد الغير.
مَا ينقصُ هذه المُؤسسات حاليًا أيضًا هو تعزيز
جُهُودها التسويقية في خلق صُورة ذهنية لرؤيتها، ورسالتها، وأهدافها، وبرامجها، وأنشطتها
لدى عملائها أو المنتسبين إليها، وكذلك لدى الرأي العام في محيطها الداخلي
والمحلي، نجاح التسويق في مُؤسسات المُجتمع المدني علامة فارقة لنجاح إداراتها بكفاءة
وفاعلية في جذب الناس إليها والتفاعل مع أنشطتها، وهو أيضًا تأكيد على مدى تفاعلها
وقُدرتها على التكيف مع تطورات بيئتها.
الإعلام أيضًا عليه مسؤُولية كبيرة في تغيير المفاهيم
التقليدية وسلوك المُجتمع تجاه مُؤسسات المُجتمع المدني؛ فالإعلام أداة مُهمة
وفاعلة لبرمجة العقول ولرقي الفكر وسمو الوجدان، نظام التعليم واتجاهاته هو أيضًا
عليه حمل كبير تجاه ترسيخ مفهُوم العمل التطوعي والمُشاركة المُجتمعية لدى الأجيال.
هي إذن مسؤُولية مُشتركة، وعملية تراكمية، تحتاج
جهدًا ووقتًا ومُشاركة مؤسسية ومُجتمعية فاعلة ومُستمرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.