قبل انتشار وسائل الاتصال الحديثة التي ننَعم بها
هذا الزمان، كانت الوسيلة الوحيدة للاتصال هي البرقية، والبرقية عبارة عن جهاز
لاسلكي يربط مكاتب الولاة في مُختلف ولايات السلطنة بالرئاسة وبمركز الإدارة في
العاصمة مسقط، ويطلق على الذي يعمل على هذا الجهاز السحري بمُخابر البرقية؛ فهو
يتولى إرسال واستقبال الرسائل عبر هذا الجهاز، وعادة ما تكُون عباراتها مختصرة،
وفيها أيضًا بعض الرسائل المشفرة، وأوراق البرقية لها طابع خاص وتقسيمات محددة،
ولها لون خاص أيضًا يميزها.
عَبْر هَذا الجهاز بُثَّ وانتشرَ خبر تولي جلالة
السلطان المُعظم -حفظه اللهُ ورعاه ومتعه بالصحة والعافية- مقاليد الحكم في
السلطنة يوم الثالث والعشرين من يوليو المجيد عام 1970م، زُفَّ هذا الخبر عبر
مكاتب الولاة، ومن ثمَّ انتشر الخبر في جميع القرى والبلدان عبر الرسائل المكتوبة
والشفهية.
عمَّت حينها الفرحة جميع أرجاء عُمان من أقصاها
إلى أقصاها، استبشارا بعهد جديد، وانطلق الجميع في عفوية للاحتفال بهذا اليوم
السعيد، فأقيمت الأفراح، وأطلقت المدافع، وهزت السماء طلقات البنادق فرحا وغبطة من
قبل جميع المُواطنين، واستمرت الأفراح أيامًا عديدة أمام الحصن في كل ولاية.
تلهَّف الجميع للقاء القائد والاستماع إليه للتعرف
على مُستقبل البلاد، فخاطبهم بكلمات بدأها: "إني أعدكم".. كم لهذه
الكلمة من تأثير على النفس وما تحمله من دلالات عظيمة على حكمة القيادة. لم يقل: "عليكم
أو أفرض عليكم بل قال: أني أعدكم أول ما أفرضه على نفسي أن أبدأ بأسرع ما يمكن أن
أجعل الحُكُومة عصرية. ويضيف جلالته في نفس الخطاب: سأعمل بأسرع ما يمكن لجعلكم
تعيشون سعداء لمُستقبل أفضل.
في خطاب جلالته الثاني بعد توليه زمام الأمور في
السلطنة، عند وُصُوله إلى مسقط العامرة قادما من صلالة المجد، افتتح خطابه أيضًا
بقوله: إننا نعاهدكم بأننا سنقوم بواجبنا تجاه شعب وطننا العزيز. داعيا جلالته
بضرُورة التعاوُن بين الحُكُومة والشعب، مشبها جلالته ذلك التعاوُن كالجسد الواحد
إذا لم يقم عضو منه بواجبه اختلت بقية الأجزاء في ذلك الجسد. هكذا هم القادة
العظماء يحملون دوما رسالة ورؤية تجاه تحمل المسؤُولية وتجاه شعوبهم.
المُتمعن والقارئ لخطب جلالة السلطان المُعظم يجد
أن جلالته دائما يخاطب شعبه بكلمات راقية وبأرق مشاعر الحب والتقدير للجميع،
وبأنقى وأصدق العبارات، النابعة من القلب إلى القلب.. هكذا يخاطب شعبه: شعبنا
العزيز، شعبنا الكريم، أيها المُواطنون، أيها الإخوة المُواطنون، أيها الإخوة
الكرام، أيها المُواطنون الأعزاء، أيها الشعب الأبي، أيها المُواطنون الكرام..
تلك الافتتاحيات لها دلالة على تقدير وحب جلالته
للمُواطنين، والمتأمل فيها يجد الكثير من المفاهيم والقيم والمبادئ والتوجهات
الرفيعة، وتتجسد وتتجلى فيها روح وحكمة القيادة الفذة وعناصرها وواجباتها وأبعادها
الإستراتيجية، والتي يجب التأكيد عليها وتدريسها كمنهاج نظري وتطبيقي في حياتنا
المُعاصرة والمُستقبلية.
تواصلت خطب جلالة السلطان المُعظم في مناسبات عدة يرسم
من خلالها رؤيته الحكيمة لمسار التنمية في السلطنة، ومن ثم تعمل الحُكُومة بتعاوُن
وجُهُود مشتركة مع كافة شركاء التنمية على تحويلها إلى إستراتيجيات وبرامج وخطط
ومشاريع تنموية شملت كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية،
فجلالة السلطان عرف عنه بأنه صاحب فكر سياسي واجتماعي واقتصادي مستنير، مستمد من
تراث الأمة ومنهاجها الإسلامي.
وعندما نتأمل في إنجازات النهضة المُباركة مُنذ
عام 1970م التي عمادها ومحورها الإنسان العُماني صناعة وصياغة، نجد أنها مرت بمراحل
مُختلفة من التطوير والتجديد، وفي إطار من التدرج المنطقي والعقلاني، الذي يراعي ظرُوف
الزمان وتحدياته وواقع المُجتمع وثوابته الراسخة، ومُعطيات الحاضر والرؤية
المُستقبلية للتنمية، مع الحفاظ على مُرتكزات وإنجازات الماضي والتراث العُماني
العريق.
عمل جلالة السلطان المُعظم بإخلاص وتفاني وصبر
وضحى بكل عمره من أجل خدمة عُمان وأهلها الكرام، والمُتمعن في المشاهد والصور
لجولات جلالة السلطان المُعظم في الولايات العُمانية، مُنذ بداية السبعينيات من
القرن الماضي ليبهره ذلك الجهد والمُثابرة والتفاني والتضحية، التي قام بها جلالته
من أجل نشر خيرات التنمية في جميع ربوع عُمان، فتجد جلالته ينتقل من مكان إلى آخر
من أجل سعادة الإنسان العُماني وراحته، على الرغم من التحديات الكبيرة في ذلك
الوقت، وصعوبة التضاريس في ذلك الزمان لعدم توفر الطرق كما هي عليه اليوم، وقد وعد
جلالته شعبه فأوفى.
فقد حققت السلطنة في عهده لحمة وطنية ضمت كافة
أطياف وفئات المُجتمع دُون تفرقة، تجسد فيها سمة التنوع والتسامح والشخصية الوسطية
وروح الدين، وتتحلى بالإيمان والمحبة والوفاء والتواد والتعاضد والتراحم والتآخي
والتفاني والتضحية والإخلاص والفداء، ومواجهة كافة الظرُوف والتحديات بحكمة
وعقلانية وصبر وهدوء. كما عمل جلالته –حفظه اللهُ- على ترسيخ مبادئ وقيم السلام الاجتماعي
والفهم المشترك، وتجديد الفكر والاجتهاد المعرفي، والقضاء على أسباب الفرقة
والتخلف والجمود المُجتمعي.
هكذا.. وتتواصل مسيرة التنمية الإنسانية في عُمان
بثبات، فهي ترتكز دوما على تحقيق السلام في توجيه سياستها الداخلية والخارجية،
لتدخل مرحلة جديدة من البناء والتطوير والتجديد لدولة حديثة وعصرية.
وهي تقف اليوم بشموخ وكبرياء لمواجهة كافة
التحديات، وذلك من خلال جُهُود مُتواصلة ورؤية واضحة ورسالة سامية وغايات وأهداف
نبيلة لخدمة هذه الأمة، من أجل مُستقبل مشرق لأبناء عُمان، وبناء تنمية شاملة
تواكب العصر الذي يعيشون فيه، وهي في نفس الوقت تعمل بصمت وهدوء واتزان وبواقعية
وبعد نظر من أجل تثبيت دعائم الأمن والسلام والوئام في العالم أجمع.
من الواجب الوطني في هذه المرحلة الحالية
والمُستقبلية بذل المزيد من الجهد والعطاء والعمل الجاد والمُثابرة والإخلاص
والصبر من أجل خدمة ونهضة عُمان، وذلك من خلال تلاحم قوي بين كافة أطراف صناعة
التنمية الإنسانية، وبإرادة راسخة وعزم أكيد وهمة عالية من قبل جميع أبناء هذا
الوطن العزيز، بهدف تحقيق المزيد من التقدم والرخاء والنماء والإنجازات المشرقة
للتنمية المُستدامة في ظل قيادتنا الحكيمة.
فرعى الله مسيرة النهضة المُباركة، وحفظها من كيد
الأعداء وحسد الحاقدين، وكل عام وعُمان وقائدها المفدى بألف خير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.