مُقتطفات من مُقدِّمة الطبعة الأولى الصادرة عام
2011م:
يعتقدُ الكثيرُ من الناس أنَّ التسويق يقتصر على
الأنشطة التجارية والصناعية، ويُنظر إليه على أنه عملية بيع وتوزيع المُنتجات، إلا
أن هذه النظرة قد أصبحت قاصرة في ظل التوجهات الحديثة لمفهُوم التسويق، والذي أصبح
حقلا واسعا، ويُؤدي دورا حيويا في كثير من المجالات في الحياة الإنسانية، خاصَّة
في وقتنا الحاضر، الذي تمرُّ فيه الأمة بمرحلة دقيقة للغاية، وتشهدُ مُتغيرات
عديدة، صاحبتها نقلة نوعية في تجديد الفكر، والمطالبة بالمزيد من الإصلاح والتغيير
والتطوير في كثير من المفاهيم والأنظمة: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.
ويُمثل التسويق الانتخابي أحد التوجهات الحديثة لمفهُوم
التسويق، والذي أصبحتْ مفاهيمه العصرية تأخذ الانتشار الواسع بين المُجتمعات
المُتقدمة، وأصبح فيها للتسويق الانتخابي دَوْر مُهم في إيصال الكفاءات من الموارد
البشرية، والتي تُشكل رأس المال الفكري والاجتماعي والسياسي والثقافي، وبما يُسمى "رأس
المال المُجتمعي" إلى المجالس المنتخبة؛ سواءً التشريعية منها، أو مجالس
الإدارات لمُنظمات المُجتمع المدني، والتي يتمُّ تشكيلها عن طريق الانتخابات.
وهَذا الكتابُ يأتي ضمن اجتهادات شخصية مُتواضعة
لإبراز أهمية تطبيق المفاهيم العصرية للتسويق، والاستفادة من تقنياته الموضُوعية
في مُختلف الانتخابات، ويهدفُ كذلك إلى تقديم نظرة مُبسَّطة للمقدمين على الترشح
للانتخابات في كيفية تسويق وتقديم أنفسهم قبل وأثناء وبعد الانتخابات، وتوصيل ما
يمتلكونه من معارف وخبرات وقدرات ومهارات وتوجهات وأفكار؛ سواءً كانت فكرية، أو
قيادية، أو فنية، أو إنسانية (رأس المال الفكري)، والتي تُمثل أهم ما يمتلكه
المرشح، وتقديمها في صُورة منتج له قيمة معنوية ومادية وإنسانية إلى الهيئة
الانتخابية.
مِمَّا ينعكسُ على ضَمان اختيار الكفاءات المناسبة
للمكان المناسب، والتي يُتوخَّى منها الإخلاص والتفاني، والقادرة على العطاء لخدمة
الأمة من بين البدائل المطروحة أمام الهيئات الانتخابية، خاصة ونحن نعيش في عصرٍ
أصبح فيه انسياب المعلُومات والتقدُّم المعرفي مطلباً مهمًّا لتحقيق الريادة
والميزة التنافسية.
ويستعرضُ هذا الكتاب أيضًا -بحُكم متابعتي عن قرب-
الإنجازات التي حققتها السلطنة في مجال العمل الديمقراطي وتطور العملية
الانتخابية، والتي تُوجت بمرحلتها الذهبية في عهد النهضة المُباركة، والتي اتَّسمت
بالتطوير والتجديد عبر مراحل مُتعاقبة، ووفق تدرُّج واقعي مدروس من قبل القيادة
الحكيمة، وبما يتواكب مع احتياجات ومُتطلبات المُجتمع وتقدمه وتطوره في شتى مجالات
الحياة، ونضوج الفكر الإنساني، وفي ضوء قيم المُجتمع وعاداته وثوابته الدينية،
وبما ينسجم مع تطور التنمية الإنسانية في البلاد، مع الاستفادة من تجارب الآخرين
بما يلائم ويخدم الواقع المعاش ومُعطيات العصر.
وَها هِي السلطنة تحقِّق نقلة نوعية في العمل
الديمقراطي بعد صُدُور الأوامر السامية لجلالة السلطان قابُوس بن سعيد المُعظم -حفظه
اللهُ ورعاه- بمنح مجلس عُمان الصلاحيات التشريعية والرقابية، واختيار عدد من
أعضاء مجلس الشورى لتولي حقائب وزارية.
ويَتَمثل مجلس عُمان في: مجلس الدولة؛ والذي يتمُّ
تعيين أعضائه من قبل جلالة السلطان من بين أفضل الخبرات العُمانية. ومجلس الشورى؛
والذي يتمُّ اختيار أعضائه من خلال انتخابات عامة حرة مُباشرة، وعن طريق الاقتراع
السري، تُشارك فيها المرأة العُمانية، التي أصبحت تتمتَّع بحق الانتخاب والترشح
لعضوية مجلس الشورى على قدم المساواة وعلى نحو مُتكامل مع أخيها الرجل، دُون أيِّ
تمييز أو شروط قانُونية فيما يخصُّ عملية الترشح والانتخاب، ولها الريادة والسَّبق
في ذلك على صعيد مجلس التعاوُن لدول الخليج العربية.
وحِرْصًا على أن يشتمل الكتاب على معلُومات
متكاملة لمفهُوم التسويق الانتخابي، وفي محاولة لتبسيط المفاهيم والمبادئ الأساسية
المُرتبطة به، وكتوجه نحو تنمية المهارات لإدارة الحملات الانتخابية للمرشحين من
منظور مُعاصر، فقد اقتضت طبيعته تقسيمه إلى: مقدمة، وخمسة فصول وخاتمة. يتناول
الفصل الأول: المفهُوم العام للتسويق، بينما يتطرق الفصل الثاني إلى: التسويق
الانتخابي وأهميته، فيما يتناول الفصل الثالث: إدارة الحملة الانتخابية، ويركز
الفصل الرابع على: تطور تجربة الانتخابات في سلطنة عُمان، كما يتناول الفصل الخامس:
واقع التسويق المؤسسي والانتخابي في سلطنة عُمان.
مُقتطفات من الفصل الأول:
لا يقتصرُ نشاط التسويق على المشرُوعات الاقتصادية
الهادفة للربح فقط، ولم يعد محصورا في نطاق الإنتاج المادي، وإنما هو حقل واسع
يغطي مجالات أكبر من ذلك ليشمل المُنتجات غير الملموسة كالخدمات والأفكار
والمُقترحات بكافة أنواعها وأشكالها.
فالتسويق أصبحَ اليوم يُؤدي دورًا حيويًّا للأفراد
بما يُسمى "تسويق الذات"؛ لكون الإنسان ذا قيمة كبيرة وقُدرة عظيمة
كامنة، بما يمتلكه من معارف وعلوم وخبرات وقدرات ومهارات وتوجهات، والتي تُمثل
مركز القوة في الإنسان، خاصة في هذا العصر.
والتسويق أيضًا نشاطٌ مهمٌّ لمُنظمات المُجتمع
المدني بمُختلف أنواعها وتوجهاتها (الأندية، الاتحادات، الجمعيات والنقابات
المهنية...)؛ لتحقيق أهدافها وغاياتها ونشر قيمها الاجتماعية، وتكوين الصورة
الذهنية لها لدى منتسبيها عن الأعمال والخدمات التي تقدمها.
كما يُعدُّ نشاط التسويق المؤسسي مطلبًا مهمًّا في
المُنظمات الحُكُومية (الوزارات، الهيئات والمُؤسسات العامة...)؛ بهدف تسويق
خدماتها وتحقيق رسالتها وأهدافها، وتعرفها على تطلعات المُواطنين واحتياجاتهم من
الخدمات بعد إجراء الدراسات واستطلاعات الرأي العام، والعمل على توفيرها وتحقيقها
بسهولة ويسر، وبإجراءات بسيطة غير معقدة؛ وذلك تحقيقا للأهداف الوطنية والسياسات
العامة المعتمدة.
ويُمثل التسويق أيضًا أهمية بالغة بالنسبة للدعاة
والقائمين على مهام الوعظ والارشاد؛ وذلك من خلال دراستهم لواقع الحياة ومُشكلات
الناس ومُتطلباتهم، والعمل على معالجتها من منظور أحكام الدين وتعاليمه وما يُصلح
أمور المُجتمع، وأن ينطلقوا في توجهاتهم الإرشادية مما تقتضيه ظرُوف الزمان
والمكان والبيئة ومُتطلبات العصر.
كَمَا يُشكل النشاط التسويقي أهمية كبيرة على
المُستوى القومي والوطني للمُجتمع، ويلعب دورا جوهريا وحيويا في التنمية
الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويُسهم بفاعلية في توفير المعلُومات التي تساعد
في الوُصُول إلى أفضل استخدام ممكن للموارد، وفي توجيه الاستثمار القومي، وتخطيط
سياسة التجارة الخارجية، وإبراز المُقومات التي تتمتع بها الدولة لجذب الاستثمارات
الأجنبية، وخلق فُرص استثمارية للقطاع الخاص، واستغلال الفُرص التسويقية في
الأسواق الخارجية، إضافة لتسويق الدولة والتعريف بمُقوماتها السياحية والثقافية
والتاريخية ومكانتها السياسية على مُستوى العالم.
مُقتطفات من الفصل الثاني:
أَصْبَح التسويق الانتخابي مطلبًا مهمًّا في عصرنا
الحالي؛ نظرا للانفتاح الكبير تجاه تطبيق الديمُقراطية القائمة على نظام المُؤسسات
ومبادئ العدل والمساواة بين أفراد المُجتمع، وتكافؤ الحُقُوق والفُرص بين
المُواطنين، وحق المُشاركة في الشأن العام وتقرير المصير، إضافة إلى أن المُجتمعات
اليوم أصبحت أكثر وعياً بما يدور حولها، ومدركة تماما لكافة الجوانب التي تهم
حياتها، وتسعى دوما إلى المطالبة بالتطوير والتغيير إلى الأفضل، وترفض استغلال
الانتماء الاجتماعي لتحقيق أغراض انتخابية وشخصية؛ لأن ذلك يعد ظلما لمفهُوم
الدولة المُعاصرة ومُؤسساتها الحديثة وللمُجتمع ككل، خاصة ونحن نعيش في عصر العلم
والمعرفة، والتقدم التكنُولُوجي وتقنيات الاتصالات، وانتشار الثقافة الديمُقراطية.
لهذا؛ ينبغي على أي مرشح أن يدرك تماما أن إدارة النشاط
التسويقي والتخطيط الجيد له يعتبران الأساس في كسب اللعبة الانتخابية. وقد أثبت الواقع
أن النجاح في الانتخابات يتطلب جهدا تسويقيا يرتكز على الصدق والشفافية والاحترام
المتبادل، ودراسة واقع الناس والاقتراب منهم والاستماع إليهم بتواضع وتقدير,
والتعرف على حاجاتهم ورغباتهم وميولهم واتجاهاتهم، بصُورة تتسم برحابة الصدر
واتساع الأفق لطبيعة الناس وأنماط شخصياتهم المُختلفة؛ حتى نستطيع أن نتعامل معهم
بنجاح وكسب رضاهم وثقتهم، وتبادل مشاعر الحب والتآخي والتسامح والسلام معهم،
والأخذ بمبادئ الحُوار واحترام الرأي الآخر.
كَمَا أنَّ الأخذ بمفاهيم وأساسيات وتقنيات
التسويق الحديث وفق نظم وقوانين وقيم وثقافة المُجتمع يعدُّ عاملا مساعدا في نجاح
ومصداقية وموضُوعية ونزاهة العملية الانتخابية، ومقياسا لتقدم وتطور المُجتمع،
وتحقيقا لمفهُوم الدولة العصرية التي تقوم على المُؤسسات وحكم القانُون.
مُقتطفات من الفصل الثالث:
يعتقدُ الكثيرُ من المرشحين أنَّ التواصل مع الناخبين
تتطلبه الفترة التي تسبق يوم الانتخابات، ومتى ما فاز المرشح وحقق هدفه ابتعد عن
الساحة العامة، وتفرغ لمنصبه الجديد، ولأموره الخاصة وما يخدم مصلحته، ونسي أن
الذي أوصله إلى هذا المركز هو صوت الناخب، وأنه لولا الناخب لما استطاع الوُصُول
إلى هذا المركز، ومتى ما تذكر المرشح أن فترة عضويته قد قاربت على الانتهاء تذكر
الناخبين، وأعاد الكرة في الاتصال بالناخبين لاستجداء أصواتهم.
تِلك التصرفات في حقيقتها تتنافى مع الأصول
الأخلاقية والإنسانية للعملية الديمُقراطية؛ فعملية التواصل بين المرشح والناخبين
يجب أن تتواصل طوال فترة عضوية المرشح؛ لأن هذا التواصل يجعل المرشح قريبا من
الناس، ويعمل بصُورة جدية لخدمتهم وتلبية احتياجاتهم، في ضوء الاختصاصات الممنوحة
له.. يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "امشوا في حوائج
إخوانكم ترتاح الرعية وتأمن".
كَمَا يُؤدي استمرارية التواصل مع الناخبين إلى
التعرف على اتجاهات الرأي العام، الذي يُشكل أهمية كبيرة بالنسبة للمرشح، خاصة في
ظل تطور وسائل الاتصال، وزيادة نسبة التعليم، والوعي الثقافي بين أفراد المُجتمع،
وحُرية التعبير والتوسع في الديمُقراطية.
مُقتطفات من الفصل الرابع:
المُتتبِّع لتاريخ عُمان مُنذ سبعة آلاف عام على
الأقل، بحسب رأي الكثير من عُلماء الآثار والتاريخ، يجد الكثيرَ من الدلائل
والشواهد على تطبيق مبادئ الإدارة بالمُشاركة، والأخذ بمفاهيم الشورى وممارسته ضمن
العلاقات الاجتماعية والنشاطات الإنسانية القائمة بين العُمانيين بعضهم البعض، أو
فيما يتعلق بتنظيم أمور الدولة وإدارة المُجتمع سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا،
وهو في الوقت ذاته يعتبر بالنسبة لهم أداة مُهمة في إدارة مُؤسسات الدولة
المُختلفة وتنظيم سُلُطاتها العامة، لا سيما المتعلقة بالجوانب التشريعية والقضايا
العليا للدولة.
فالشُّورى مُنذ الأزل هي منهج حياة بالنسبة
للعُمانيين وسمة راسخة في فكر ووجدان وتوجهات أهل عُمان. ومع إشراقة شمس الإسلام،
تعزز هذا المفهُوم في نفوسهم وسلوك تعاملهم وممارستهم للحياة، وفي تنظيم العلاقات
المُجتمعية وتفاعلهم مع محيطهم الجُغرافي والإنساني.
وعَلَى مرِّ التاريخ العُماني، استخدمَ العُمانيون
أساليب وطرائق وأنماطاً مُتعددة للشورى؛ بما يتناسب مع ظرُوف ومُتطلبات واقعهم
وزمانهم وتطلعات مُستقبلهم، وبما يتوافق مع ثوابتهم الراسخة وقواعد دين الإسلام
الثابتة.. ويأتي نظام البرزة والسبلة العُمانية والمسجد ومجالس العُلماء والأعيان
ونظام حياة الأسرة العُمانية الممتدة... وغيرها من المُؤسسات المُجتمعية على رأس
المُمارسة الشورية في عُمان.
وَقَد تطوَّرت تلك المُمارسة مع تطور الفكر
الإنساني ورُقي ثقافة المُجتمع، وبما يُلبي احتياجاته التنموية، وأصبح تطبيق مفهُوم
الشورى أحد مُقومات الحياة ودُعامة أساسية في مجال إدارة الدولة والمُجتمع في
عُمان عبر تاريخها القديم والحديث.
ومُنذ انطلاقةِ عَصْر النهضة المُباركة عام 1970م
بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابُوس بن سعيد المُعظم -حفظه اللهُ ورعاه- ومسيرة
التنمية الإنسانية تخطو خطوات ثابتة نحو التقدم والازدهار والرقي بالإنسان
العُماني.
وَقَد شهدتْ تجربة الشورى تحوُّلا نوعيًّا خلال
الخمسة والأربعين عاماً الماضية؛ سواءً من حيث المُمارسة أو أطرها التنظيمية، التي
تقوم على حكم القانُون ونظام المُؤسسات وترسيخ مفهُوم المُواطنة.
وحقُّ المُشاركة في الشؤون العامة كفلها النظام الأساسي
للدولة الصادر بموجب المرسُوم السلطاني رقم 96/101، الذي أرسى دعائم الدولة العصرية،
ووضع أسسًا راسخة ومبادئ محددة لشكل الدولة وسُلُطاتها العامة، ونظام الحكم القائم
في السلطنة، إضافة للقواعد والمبادئ التي ترتكز عليها السياسة العامة للدولة، والحُقُوق
والحريات وكذلك الواجبات العامة للأفراد؛ فالمُواطنون جمعيهم سواسية أمام القانُون
في الحُقُوق والواجبات ولا يوجد ثمة ما يميز بينهم.
وترسَّخت تجربة الشورى العُمانية وتطوَّرت على
مسار التنمية الشاملة للنهضة المُباركة، وفق مراحل تطور المُجتمع وتقدمه، وأخذت في
تطبيقها أساليب مُختلفة؛ بدأت من خلال المجالس المتخصصة والعديد من اللجان -سواءً على
المُستوى المركزي أو على مُستوى الولايات - وتضمُّ في عضويتها نخبة من الأهالي،
ومن بين تلك المجالس المتخصصة: المجلس البلدي لبلدية مسقط، الذي يعد من أقدم
المجالس المتخصصة في تاريخ السلطنة.
كَمَا تمَّ إنشاء مجلس الزراعة والأسماك والصناعة
عام 1979م بموجب المرسُوم السلطاني رقم 19/79، والذي استمرَّ في مُمارسة صلاحياته
حتى العام 1981م؛ حيث تمَّ إنشاء المجلس الاستشاري للدولة عام 1981م بموجب المرسُوم
السلطاني رقم 81/84، الذي أسهم بكفاءة وفاعلية في مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية
والثقافية في البلاد.
وَقَد تُوِّجت تجربة الشورى في عُمان بإنشاء مجلس
الشورى عام 1991م، بموجب المرسُوم السلطاني رقم 91/94، الذي مر بمراحل مُتعددة
ومنطقية، وفق تدرج واقعي ومدروس من قبل القيادة الحكيمة، وُصُولا للتطبيق الأمثل
للشورى، بانتخاب جميع أعضائه الذين يمثلون جميع ولايات السلطنة من خلال انتخابات
عامة، تشارك فيها المرأة العُمانية، والتي تتمتع بحق الانتخاب والترشح لعضوية
المجلس.
وإضافة إلى ذلك، تمَّ إنشاء مجلس الدولة عام
1997م، ويتم تعيين أعضائه من قبل جلالة السلطان من بين أفضل الخبرات العُمانية،
لتكتمل بذلك الصيغة الحديثة لتجربة الشورى العُمانية، التي تقوم على نظام
المجلسين، وفقا لما تضمنه الباب الخامس من النظام الأساسي للدولة الصادر في نوفمبر
عام 1996م، وما جاء في المادة 58 بشأن مجلس عُمان، والذي يتكون من مجلس الشورى
ومجلس الدولة.
ويَشْهَد مجلس عُمان تطورا نوعيا خلال المرحلة
الحالية، وهذا ما أكده المرسُوم السلطاني رقم 2011/39 بتاريخ 2011/3/12م، الذي منح
مجلس عُمان الصلاحيات التشريعية والرقابية، وفقا لما يبينه النظام الأساسي للدولة
والقوانين النافذة، وتشكيل لجنة فنية من المختصين وبأمر سلطاني لوضع مشرُوع تعديل
للنظام الأساسي للدولة، بما يحقق منح مجلس عُمان الصلاحيات التشريعية والرقابية.
وَهَذا ما تحقَّق بالفعل، وأصبح واقعا بعد صُدُور المرسُوم
السلطاني رقم 2011/99 بتاريخ 2011/10/19، والذي قضى بتعديل بعض أحكام النظام الأساسي
للدولة الصادر بالمرسُوم السلطاني رقم 96/101، وهو أول تعديل للنظام الأساسي مُنذ
صدوره في العام 1996م، وشملت تلك التعديلات تفاصيل مُهمة وجوهرية على المادة 58
بشأن مجلس عُمان؛ حيث تفرعت منها 44 مادة مكررا.
وبمُوجَبِه، توسَّعت صلاحيات مجلس عُمان في
المجاليْن: التشريعي والرقابي، وأصبح رئيس مجلس الشورى ونائباه يتم انتخابهم من
بين الأعضاء، وكذلك بالنسبة لنائبي رئيس مجلس الدولة. وعلى ضوء تلك التعديلات
أيضا، صدر أول قانُون عصري للانتخابات في تاريخ عُمان، بموجب المرسُوم السلطاني
رقم 2013/58 بإصدار قانُون انتخابات أعضاء مجلس الشورى.
كَمَا شكَّل المرسُوم السلطاني رقم 2011/116 نقلة
نوعية جديدة في مسار العمل الديمقراطي، وتوسيع مُشاركة المُواطنين في مسيرة
التنمية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في السلطنة؛ حيث تقرر تشكيل مجالس
للبلدية في جميع مُحافظات السلطنة، وتضم أعضاء يمثلون الوزارات الخدمية، إضافة إلى
أعضاء منتخبين يمثلون الولايات التابعة لكل مُحافظة وفق التقسيم الإداري للسلطنة،
يتحدد عددهم وفق الكثافة السكانية لكل ولاية.
وتعدُّ أيضًا الجولات السامية لجلالة السلطان
المُعظم -حفظه اللهُ ورعاه- والتي يقوم بها في مُختلف مناطق ومُحافظات وولايات
السلطنة، أحد أساليب الشورى العُمانية، وسمة فريدة من سمات المشهد السياسي
العُماني، ومنهجا مُتقدما وواقعيا للحكم وإدارة المُجتمع للدولة العصرية، وإسهاما
فاعلا في ترسيخ مبدأ المُشاركة الوطنية، القائمة على التفاعل الدائم والمتواصل بين
القيادة والمُواطنين؛ حيث يلتقي جلالته المُواطنين في برلمان مفتوح، ويحرص على
الاستماع إليهم للتعرف على مُقترحاتهم ومطالبهم واحتياجاتهم من الخدمات
الحُكُومية، ويتحاور معهم مُباشرة فيما يهم الشأن العام وقضايا المُجتمع بشفافية
تامة دُون وُجُود أي حواجز أو قيود بيروقراطية، كما يتم من خلال تلك الجولات أيضًا
تفقد مشرُوعات التنمية الإنسانية، ومتابعة الأداء الحُكُومي.
مُقتطفات من مراحل تطور الانتخابات في السلطنة:
أمَّا مجلس الشورى، فقد مرَّ بمراحل متدرجة في
البناء التنظيمي وفي كيفية اختيار أعضائه؛ وذلك على أسس ثابتة وراسخة، مستمدة من
واقع وظرُوف المُجتمع العُماني وتراثه العريق، ومُعطيات العصر ومُتطلبات التنمية، وُصُولا
لمرحلة الانتخابات المُباشرة لكافة أعضاء المجلس من جانب المُواطنين في الولايات،
وفق قواعد وأسس محددة ومعلنة، تتمتع فيها المرأة العُمانية بحق الانتخاب والترشح
على قدم المساواة لعضوية المجلس. وفيما يلي إضاءات مختصرة على التطور التدريجي
للعملية الانتخابية:
- المرحلة الأولى: أعلن حضرة صاحب الجلالة السلطان
قابُوس بن سعيد المُعظم -حفظه اللهُ ورعاه- في خطابه السامي بمناسبة العيد الوطني
العشرين المجيد عام 1990م، عن إنشاء مجلس للشورى كإطار مؤسسي متطوِّر لمُمارسة
الشورى في السلطنة، وقد أكَّدته المراسيم السلطانية السامية الصادرة بالأرقام 94، 95،
96، 91/97 بإنشاء مجلس الشورى، وتحديد صلاحياته واختصاصاته، والعضوية فيه، ورئيسه،
ولائحته الداخلية؛ حيث تُمثل فيه جميع ولايات السلطنة دُون أن يكُون للحُكُومة
أعضاء في هذا المجلس؛ تقديرا من جلالته للنجاح الذي أحرزته التجربة العُمانية في
مجال الشورى، وعملا على تطويرها بما يوفر مزيدا من الفُرص أمام المُواطنين لمُشاركة
أوسع في تحمل المسؤُولية والإسهام في بناء الوطن.
لتدخل مسيرة الشورى بذلك مرحلةً جديدةً من
التطوير، ونقلة نوعية في المُمارسة والتطبيق، والتي تأتي كما قال جلالته -حفظه
اللهُ- في خطابه: "انطلاقا من مبادئ الشريعة الإسلامية الغراء، وتأكيدا
للمنهج الإسلامي الذي تترسمه البلاد، وتأتي كذلك وفقا لتقاليد راسخة في العمل
بروية وتدرج، وبالمُستوى الذي يلائم واقع الحياة في بلادنا ويواكب تقدمها المُستمر
في مُختلف المجالات؛ وذلك مع الانفتاح على تجارب الآخرين بما يثري التجربة العُمانية
دُون تقليد لمجرد التقليد". وفي إطار التأسيس والتكوين لهذه المرحلة الجديدة
لمسيرة الشورى، كانت البداية للتجربة الانتخابية في سلطنة عُمان وفقا لمفهُومها
المُعاصر، وقد خضعت لقاعدة التوسع التدريجي والمدروس ضمن نهج أخذت به السلطنة خلال
مسار نهضتها الحديثة لتحقيق التنمية الإنسانية.
ففي الفترة الأولى لانتخابات مجلس الشورى عام
(1991-1994)، اقتصرتْ الهيئة الانتخابية في كل ولاية من ولايات السلطنة على فئة
الشيوخ والوجهاء والأعيان وذوي الرأي، والذين لم تتجاوز أعدادهم المائة نسمة في كل
ولاية، وبمجمُوع يصل إلى 5900 مواطن من الذكور على مُستوى السلطنة، تمت دعوتهم من
قبل والي كل ولاية لاختيار ثلاثة مرشحين من أبناء الوُلاية ممن تتوافر فيهم الشروط
ويحصلون على أعلى الأصوات، ومن ثم تُرفع أسماؤهم إلى الحُكُومة لاختيار أحدهم
لعضوية مجلس الشورى، وقد تمت تسمية الأعضاء المختارين بموجب مرسُوم سلطاني، وبما مجمُوعه
59 عضوا يمثلون 59 ولاية، عدد ولايات السلطنة خلال تلك الفترة.
كانتْ بداية مرحلة الانتخابات قد أخذتْ النظام
القريب إلى حد ما بنظام الاقتراع المقيد؛ حيث اقتصرت هيئة الناخبين على فئة محدُودة
من المُجتمع، وهي في حد ذاتها تجربة مُفيدة في ظل التركيبة المُجتمعية للمُجتمع
العُماني، ونتج عنها خبرة تراكمية في العملية الانتخابية وتغييرات ملحُوظة في
الفكر السياسي والاجتماعي، ساعدت الدولة والمُجتمع على الوُصُول لمرحلة مُتقدمة في
تطبيق نظام الاقترع العام فيما بعد. وقد ساعدت تلك المرحلة أيضًا على ترسيخ مفهُوم
العملية الانتخابية ونظامها وتوجهاتها لدى أفراد المُجتمع.
واتَّسَمت إجراءات انتخابات المرحلة الأولى لمجلس
الشورى بالسهولة واليسر؛ فقد تولت الهيئة الانتخابية -في أول مرحلة انتخابات
تُمارسها- تشكيل فريق عمل من بين أعضائها يتولى عملية الإشراف على سير الانتخابات،
وفرز الأصوات، وإعلان النتائج، ضمن جلسة عقدت بمكتب الوالي، سادها جو من التفاهم
والتعاوُن والحرص على نجاح هذه التجربة، والتي اتَّسمت مُنذ مراحلها الأولى
بالنزاهة والهدوء، والمنافسة الشريفة وتغليب المصلحة العامة، إضافة لحياد
الحُكُومة وعدم تدخلها في العملية الانتخابية؛ حيث يقتصرُ دورها على التنظيم
والإشراف ومراقبة النتائج.
وقَد أعرب جلالة السلطان المُعظم -في خطابه
بمناسبة العيد الوطني الحادي والعشرين المجيد بتاريخ 1991/11/18- عن تقديره
للطريقة التي تمَّ بها اختيار الولايات لمرشحيها؛ مما يُؤكد وعيَ المُواطن
العُماني، ويثبت أنه ينطلق في أداء مسؤُولياته من حضارة ذات جذور غائرة في أعماق
التاريخ، تشهد له بأنه قادر على الإسهام الإيجابي في مسيرة التنمية الشاملة
لبلاده، مُؤكدا جلالته أنَّ تجربة اختيار الأعضاء الذين يمثلون الولايات في مجلس
الشورى أعطت مفاهيم جديدة سوف تتم الاستفادة منها في الفترات القادمة للمجلس، خاصة
فيما يتعلق بمراعاة التعداد السكاني لكل ولاية؛ تحقيقا للتوازن المطلوب في تمثيل
الولايات.
- المرحلة الثامنة: إيمانا من جلالة السلطان
المُعظم بأهمية تطوير مسيرة الشورى في البلاد لما فيه مصلحة الوطن والمُواطنين،
وتأكيدا على أهمية المُشاركة من جميع أفراد المُجتمع في مسيرة التنمية الشاملة بما
يتماشى ومُتطلبات التطور المنشود، أصدر جلالة السلطان المُعظم بتاريخ 2011/10/19 مرسُوما
سلطانيا رقم 2011/99، تم بموجبه تعديل بعض أحكام النظام الأساسي للدولة الصادر
بموجب المرسُوم السلطاني رقم 96/101.
وعَلَى ضَوْء تلك التعديلات التي تتعلق بمجلس
عُمان وتوسيع صلاحياته التشريعية والرقابية، وبهدف تنظيم العملية الانتخابية
بصُورة ترقى للمُستوى الذي وصلت إليه السلطنة في مجال المُمارسة الديمُقراطية، فقد
أصدر جلالة السلطان المُعظم بتاريخ 2013/10/30م مرسُوما سلطانيا رقم 2013/58
بإصدار قانُون انتخابات أعضاء مجلس الشورى، وهو يعد أول قانُون عصري للانتخابات في
تاريخ عُمان، يقع في ثمانية فصول ويتكون من 78 مادة.
المرأة العُمانية والانتخابات:
استطاعتْ المرأة العُمانية إثباتَ جدارتها
وقدراتها ومهاراتها في خدمة بلدها في شتى مجالات التنمية، بكفاءة وفاعلية، وفي
مُختلف ميادين العمل، وشغلتْ العديد من المناصب والوظائف الإدارية في الجهاز
الإداري للدولة والقطاع الخاص وقطاع الصناعة والتجارة، وفي السلك الدبلوماسي، والادعاء
العام، وسلك الشرطة، والأمن والدفاع، وتقلدت المرأة العُمانية وظائف قيادية عليا
في الدولة؛ من بينها: حقائب وزارية ووكيلات وزارة وسفيرات.
كما للمرأة العُمانية مُشاركة فاعلة في مجال العمل
التطوعي مُنذ قديم الزمان، وتعزز هذا الدور في ظل النهضة المُباركة؛ فقد أسهمت
المرأة العُمانية بفاعلية في خدمة المُجتمع من خلال تأسيس جمعية المرأة العُمانية
في مسقط عام 1971م كأول جمعية أهلية في عُمان، ليصل عددها اليوم إلى 53 جمعية
للمرأة، مُوزَّعة على مُختلف ولايات السلطنة، وتهدفُ إلى تقديم العديد من الخدمات
للمُجتمع المحلي، والارتقاء بمُستوى المرأة والأسرة العُمانية في شتى المجالات: الثقافية،
والاجتماعية، والاقتصادية.
ودعمًا لحُقُوق المرأة السياسية، وتعزيزا لدورها
في مراكز صُنع القرار؛ لكونها تُشكل نصف الحياة العامة: السياسية، والاجتماعية، والثقافية؛
وتأكيدا على مبادئ العدالة الاجتماعية التي تسعى الديمُقراطية لتحقيقها، بهدف صون
وتعزيز كرامة الإنسان وحُقُوقه الأساسية، وتأمين تماسك المُجتمع وتلاحمه، وتوطيد
الاستقرار الوطني والسلام الاجتماعي، والذي يقتضي شراكة حقيقية بين الرجل والمرأة
في إدارة شؤون المُجتمع، فقد حظيت المرأة العُمانية بدعم جلالة السلطان المُعظم،
وأتاح لها فُرص المُشاركة في مُختلف المجالات لخدمة وطنها ومُجتمعها.
وفي هذا السياق، أصبحتْ المرأة العُمانية تتمتع
بحق الانتخاب والترشح لعضوية مجلس الشورى العُماني على قدم المساواة، وعلى نحو متكامل
مع أخيها الرجل دُون أي تمييز أو شروط قانُونية في شأن الحق في عملية الترشيح
والانتخاب، ولها الريادة والسبق في ذلك على صعيد مجلس التعاوُن لدول الخليج
العربية، بمشاركتها في عضوية مجلس الشورى مُنذ العام 1994م، وهي تشغل نحو 20% من
مقاعد مجلس الدولة الذين يعين جلالة السلطان أعضاءه.
كما أنَّ المرأة ممثلة في كثير من المجالس واللجان
كمجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عُمان، ومجلس رجال الأعمال، والمجالس البلدية في
عدد من مُحافظات السلطنة، وهيئة المكتب الإداري للاتحاد العام لسلطنة عُمان...
وغيرها من مُنظمات المُجتمع المدني التي يتم تشكيل مجالس إداراتها بالانتخاب،
إضافة لتمثيل السلطنة في عضوية الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى في مجلس التعاوُن
لدول الخليج العربية.
وَقَد بَدأت مُشاركة المـرأة العُمانية في
انتخابات مجلس الشورى وللمرة الأولى في تاريخ البـلاد، مُنذ انتخابات الفترة الثانية
للمجلس (1994-1997)، في إطار التطورات المتلاحقة لتمكين المرأة العُمانية للمُشاركة
في صنع القرارات الوطنية وبناء الوطن. واتسمت مُشاركة المرأة العُمانية في
الانتخابات بأسلوب التطور التدريجي المدروس والواقعي، وهي واحدة من الآليات التي
تحرص عليها القيادة السياسية في السلطنة لتحقيق قيم التحديث عبر مراحل مُتتالية؛
بهدف التأكد من تفاعل واستيعاب المُجتمع لكل مرحلة، مع الحفاظ على الخصوصية
التاريخية والاجتماعية للمواطن العُماني، وإكساب تلك التجربة مزيداً من التطوير
وفق قواعد ثابتة وراسخة، إضافة إلى ترسيخ مبادئ الديمُقراطية الحديثة بما يتوافق
مع واقع المُجتمع العُماني وثقافته الإسلامية.
لهذا؛ فقد اقتصرتْ مُشاركة المرأة في البداية على
ولايات مُحافظة مسقط (مسقط، مطرح، السيب، بوشر، العامرات، قُريات)؛ حيث استطاعت
امرأتان الفوز بعضوية المجلس لهذه الفترة. وبعد نجاح هذه التجربة في مُحافظة مسقط،
تم فتح الباب أمام المرأة للترشح والانتخاب في مُختلف ولايات السلطنة عند بدء
ترشيحات الفترة الثالثة (1997-2000).
وَقَد تواصل ثبات وعدم تراجع تمثيل المرأة في مجلس
الشورى مُنذ منحها حق الترشيح لهذه الانتخابات في العام 1994م، بمقعدين في المجلس
حتى نهاية الفترة الخامسة للمجلس؛ حيث لم يتم انتخاب أي امرأة في انتخابات الفترة
السادسة التي أقيمت في أكتوبر عام 2007م، على الرَّغم من الكثافة العددية
للمشاركين في الانتخابات؛ سواءً على مُستوى عدد الناخبين والناخبات أو عدد
المرشحات البالغ عددهن 21 مرشحة، فيما حظيت بمقعد واحد في انتخابات الفترة السابعة
(2011-2015).
ويَرجع هذا التراجع لأسباب مُختلفة؛ لعل أبرزها:
عدم الاستعداد الجيد للمرأة لإدارة حملتها الانتخابية، وعدم الأخذ بمفهُوم التسويق
الانتخابي العلمي والمدروس للمرشحة؛ نظرا لضعف الإمكانات المادية والثقافية وضعف
المُشاركة المُجتمعية، خاصة في ظل اتساع الهيئة الانتخابية كمًّا ونوعًا، والتي
يتطلب الوُصُول إليها وإقناعها للتصويت لصالح أي مرشح في الانتخابات جهداً تسويقيًّا
منظما، مقارنة بالفترات الأولى لانتخابات مجلس الشورى، التي اتسمت بمحدُودية
الهيئة الانتخابية في ذلك الوقت.
وإضافة إلى ذلك، فإن غياب دعم المرأة للمرأة وضعف
ثقة النساء بعضهن البعض، يعدُّ سببًا مُهمًّا في ضعف أو غياب المرأة عن عضوية مجلس
الشورى، ويرجع ذلك إلى بعض العوامل الديموغرافية للناخبين، وتأثير سلوك الرجل على
المرأة ورضوخها لذلك؛ لضعف ثقافتها وعدم الإلمام بحُقُوقها، وكذلك تأثير الكثير من
مُتغيرات البيئة الاجتماعية على الاقتراع للمرأة المرشحة في الانتخابات، إضافة لوُجُود
بعض المعوقات الاجتماعية والثقافية الأخرى.
وعَلَى الرَّغم من هذا الـتراجع الـذي نأمل أن
يكُون مؤقتـا، إلا أنَّ المتتبع لمسيرة تجربة الانتخابات في مجلس الشورى، يجد أنَّ
المرأة تخطو خطوات ثابتة تجاه المُشاركة الفاعلة في الانتخابات؛ نظرا لزيادة الوعي
العام، ورسوخ وتراكم الثقافة الانتخابية لدى المُواطنين، إضافة لما تُشكله المرأة
من ثقل وشريحة واسعة في سجل الناخبين، ويُؤكد ذلك الزيادة المُتنامية في أعداد
المقيدات في السجل الانتخابي من فترة لأخرى؛ حيث وصلت نسبة الناخبات في انتخابات
الفترة السادسة لمجلس الشــورى (2007-2011) إلى 39.3% من إجمالي المقيدين في السجل
الانتخابي، البالغ عددهم نحو 384885 ناخباً وناخبة، مقارنة بما يعادل 38% تقريبا
من إجمالي عدد الناخبين المسجلين في الفترة الخامسة (2003-2007)، والبالغ عددهم
نحو 262000 ناخب وناخبة على مُستوى السلطنة، كما بلغتْ نسبة مُشاركة المرأة في
انتخابات الفترة السابعة 40% من عدد المصوتين في الانتخابات.
فِيْمَا زاد عدد المرشحات لعضوية مجلس الشورى من
15 مرشحة في العام 2003م إلى 21 مرشحة في 2007م، وإلى 77 مرشحة في انتخابات
المرحلة السابعة، والتي أجريت في العام 2011م.
أمَّا على صعيد مُشاركة المرأة في انتخابات عضوية
مُؤسسات المُجتمع المدني، فقـد حققت المرأة العُمانية نجـاحاً ملحُوظاً في هذا
الإطار، وأصبحت لها مُشاركة واسعة وحضور قوي في مجالس إدارة العديد من مُؤسسات
المُجتمع المدني؛ فجمعيات المرأة العُمانية المنتشرة في مُختلف ولايات السلطنة،
والتي تم إنشاء بعضها مع مطلع السبعينيات من القرن الماضي جميع مجالس إداراتها
منتخبة من قبل جمعياتها العمومية.
كَمَا ترأستْ المرأة العُمانية أحد الأندية
الرياضية بالانتخاب، وهي سابقة على مجلس التعاوُن لدول الخليج العربية، بل على
الكثير من دُول الوطن العربي، إضافة لعضويتها في مجالس بعض إدارات الاتحادات
الرياضية، التي يتم تشكيلها بالانتخاب.
كَمَا أن المرأة العُمانية ممثلة في مجلس إدارة
الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء، مُنذ أول مجلس إداري منتخب بتاريخ 2008/1/19م،
واستطاعتْ الفوز بمنصب نائب رئيس الجمعية في الانتخابات التي أجريت في شهر يناير 2010م،
وتلك الجمعية أخذت بنظام القوائم في انتخاب مجلس الإدارة، وقد اتسمت انتخابات
الجمعية ببروز ثقافة التسويق الانتخابي لدى المرشحين لعضوية مجلس الإدارة، وقدمت
كل قائمة برنامجاً انتخابيًّا، وانتهجت خططاً متطورة وعصرية في مجال التعريف
بالمرشحين وكيفية الاتصال بهيئة الناخبين؛ بهدف كسب تأييدها في الانتخابات، وكان
للمرأة إسهام فاعل في ذلك.
والمَرأة أيضًا مُمثلة في مجلس إدارة جمعية
الصحُفيين العُمانية، ومجلس إدارة جمعية المحامين العُمانية، ومجلس إدارة الجمعية
العُمانية للسينما، والجمعية العُمانية للمسرح... وغيرها من الجمعيات والأندية الثقافية
والاجتماعية والرياضية والجمعيات الخيرية.
والمُتابع عن قرب لمسيرة الانتخابات في مُؤسسات
المُجتمع المدني، وتفاعل المرأة وكافة شرائح المُجتمع معها، يجد أنها تشق طريقها الصحيح
في إطار من التنظيم المؤسسي، وكثير من هذه الانتخابات صاحبها جهد تسويقي من قبل
المرشحين، ولو أنه كان محدُودا إلا أنه يبشر بمُستقبل أكثر إشراقاً في غرس مفهُوم الديمُقراطية
لدى أفراد المُجتمع.
مُقتطفات من الفصل الخامس:
وعَلَى الرَّغم من الإنجازات التي تحقَّقت تجاه
التسويق المؤسسي والانتخابي في القطاع الحُكُومي والأهلي والمُؤسسات البرلمانية في
السلطنة، إلا أنَّ الواقع ومُتطلبات المرحلة الحالية من مسيرة التنمية في البلاد
تتطلب مزيداً من التطوير في هذا الاتجاه، ويأتي على رأس ذلك: ضرُورة قناعة وإدراك
القيادات في تلك المُؤسسات بأهمية التسويق كنشاط رئيسي ومهم لكافة الأنشطة التي
تُمارسها تلك المُؤسسات، وأن تعمل على تسويق نفسها كمنتج مؤسسي (رؤيتها، ورسالتها،
وأهدافها، والخدمات التي تقدمها، وإجراءات الحُصُول على الخدمات التي تقدمها،
ودورها في مسيرة التنمية).
إضافة لأهمية الأخذ بمبادئ الواقعية والشفافية
والوضوح في انسياب المعلُومات ومخاطبة الرأي العام، ومُعالجة قضايا المُجتمع
المُختلفة؛ حيث إن نجاح تلك المُؤسسات في الاطلاع بدورها الخدمي والتشريعي
والرقابي يتوقف على قُدرتها في تسويق انشطتها وجُهُودها تجاه المُجتمع وإدراك ووعي
المُواطنين بدورها.
أضِف إلى ذلك ضرُورة تبني مُؤسسات التعليم -بمُختلف
مراحله ومُستوياته- المفاهيم الانتخابية والتسويقية ضمن مناهجها التعليمية، وعند
تشكيل الاتحادات الطلابية، والعمل على ربط تلك المناهج بالواقع العملي وتضمينها
بزيارات للمجالس البرلمانية، خاصة لطلاب الجامعات والكُليات، وإطلاعهم على آليات
العمل في تلك المجالس وكيفية المُمارسة الديمُقراطية تحت قبة البرلمان.
مُقتطفات من خاتمة الكتاب:
تناولتْ الفكرة الأساسية لهذا الكتاب مفهُوم
التسويق الانتخابي وتقنياته المُعاصرة، ومدى أهميته في نجاح العملية الانتخابية،
وتأثيره المباشر في تفعيل دور وأداء المُؤسسات المُختلفة؛ بما يحقق لها رؤيتها
ورسالتها وأهدافها المؤدية إلى تطوير وتنمية المُجتمع، إضافة لإسهامه المباشر في
إيصال الكفاءات المنتخبة، الممثلة للمُجتمع لعضوية المُؤسسات البرلمانية، ومجالس
إدارات مُنظمات المُجتمع المدني المنتخبة.
حَيْث تُؤكد تجارب الدول المُتقدمة أن تطور إدارة
المُؤسسات ونجاحها يتوقف على مدى قناعة قياداتها بأهمية تسويق أنشطتها، ومدى قربها
من الأفراد المنتمين إليها والذين تعمل على خدمتهم؛ بحيث تعمل على انسياب
المعلُومات إليهم ودراسة واقعهم.
وينطبقُ ذلك أيضًا على المرشح للانتخابات؛ حيث إن
نجاحه يتوقف على قُدرته في كيفية تسويق نفسه كمنتج تسويقي، بما يمتلكه من قدرات
ومهارات وخبرات وتوجهات، وبما يتضمنه برنامجه الانتخابي من تطلعات يسعى إلى تحقيقها
في ضوء احتياجات ورغبات الناخبين، وتكون معبرة عن آمالهم وطمُوحاتهم؛ وذلك وفق أسس
منهجية وعلمية.
فالتسويق أصبحَ مَطْلبًا مُلحًّا خلال المرحلة
الحالية في ظل الاهتمام المتزايد بأهمية المعرفة، وتطور وسائل الاتصال وتقدم
التكنُولُوجيا، إضافة إلى زيادة الوعي لدى الناس، وتوسع القاعدة الانتخابية،
وتفعيل الصلاحيات التشريعية والرقابية للمجالس البرلمانية.
كَمَا تطرَّق الكتاب إلى تطوُّر تجربة الانتخابات
ومراحلها المُختلفة، وواقع التسويق المؤسسي والانتخابي في سلطنة عُمان، وأهمية
تفعيل دور التسويق كإحدى المعارف الإدارية في إدارة مُختلف مُؤسسات المُجتمع،
وكذلك العملية الانتخابية؛ كونه بوابة مُهمة لتحقيق التميز والنجاح.
والمتتبِّع لتطوُّر التجربة الانتخابية في السلطنة،
يجد أنَّ هُناك حِراكاً متجدداً في هذا الجانب، وعلى الرغم من بساطته، إلا أنَّ
الآمال معقودة على الأجيال المُتعاقبة في التجديد والتطوير. كما أن المرحلة
الحالية تتطلب إيجاد أطر قانُونية لتفعيل الأدوار المُهمة للتسويق الانتخابي،
وتكون أكثر تطورا لإدارة العملية الانتخابية في مُختلف جوانبها ومراحلها.
وقد أصبَح الأخذُ بالمبادئ العلمية للتسويق
الانتخابي مَطْلبًا عصريًّا في ظل تنامي الثقافة الانتخابية لدى أفراد المُجتمع
العُماني، خاصة ونحن نعيش نقلة نوعية في مجال العمل الديمقراطي والمؤسسي، وتعزيز
الدور التشريعي والرقابي لمجلس عُمان؛ الأمر الذي يتطلب غرس هذه المفاهيم الحديثة
للتسويق في عقول ووجدان الناشئة التي يعتمد عليها الوطن في المُستقبل، وكذلك لدى
أفراد المُجتمع لا سيما فئة الشباب منهم.
وذَلِك من خلال تضمين المناهج الدراسية لمثل هذه
المفاهيم العصرية، وبما ينسجم ويتوافق مع القيم والثوابت العُمانية، ومسيرة تطور
التنمية الإنسانية في البلاد، إضافة إلى تبني المُؤسسات الأكاديمية -كالجامعات
والكُليات- لذلك من خلال مُمارسة وتطبيق ومحاكاة عملية الانتخابات واستخدام تقنيات
التسويق الانتخابي، خاصة عند تشكيل الإدارات الصفية للطلاب بالمدارس، والمجالس
الاستشارية الطلابية، والروابط الجامعية وأندية واتحادات الطلاب بالجامعات
والكُليات ومُؤسسات التعليم العالي.
نسأل الله سبحانه وتعالى أنْ نكون قد وُفقنا في
إعداد هذا الكتاب على أحسن وجه، متمنين أن يحقق قيمة مضافة لدى القارئ الكريم،
والله يوفق الجميع لما فيه الخير والصلاح لخدمة هذا الوطن العزيز، والحمد لله أولا
وأخيرًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.