النَّاظر إلى البحر هذه الأيام، يجد تغيُّرا في
لون مائه، فهو يميل إلى الغبرة والبياض، بدلًا من الزرقة الناصعة المعهودة. يعود
سبب ذلك طبعا إلى ماء المطر وسيول الأودية المحملة بالطين والحجارة.
كانَ الشياب وأهل البحر يحرصُون دومًا على أن تصب
الأودية في البحر، لهذا تكونت الأخوار كلسان طبيعي، وهذه الأخوار لها من الأشكال
الجميلة في تكوينها ومُكوناتها الطبيعية الرائعة؛ سواءً في مسارها الرملي أو
الصخري أو الحصوي، وهي أيضًا من خلال شكلها وعمقها لها دلالة على قوة وشدة تلك
الأودية التي تصب فيها.
لِمَاذا كان يحرص الشياب على أن تصب مياه الأودية
في البحر؟ بل لماذا كان يحرصون على أن لا تعرقل مسارها بعُمران أو أي شيء آخر؟ بل
لماذا كانوا حريصين على أن يتم وضع حريم لهذه الأودية، ويحددونه بالذراع من كل
جانبيها حتى لا يتعدى عليه أحد؟ لهذا جرى العرف بين الناس مُنذ القدم على أن من
يتعدى على حريم الوادي يخالَف ويعاقَب حسب العرف وفقه العُمران.
المُتمعِّن في ذلك جيدا، يجد أنه توجُّه حضاري،
ووعي معرفي، حافظ عليه العُمانيون مُنذ قديم الأزل، ويعد أيضًا هندسة عُمرانية
وتخطيط محكم للتجمُّعات العُمرانية؛ لهذا دائما الشياب يرددون مقولة: "إنْ
مال الوادي حال الوادي". و"الوادي يعرف طريقه". "واللي يدور
على السنين يدور"؛ وذلك دلالة على تكرار المواسم الماطرة عبر السنين، وتنبيها
على عدم التعدي على مسارات الأودية؛ لأن حتما سيأتي يوم وينظف الوادي مساره، مهما
كانت العوائق قوية، وقوة الماء لا تضاهيها قوة إلا النار كما قال الشياب.
المُهم لم نُجب عن السؤال المطروح: لماذا كان
الشياب يحرصون على أن تصب مياه الأودية في البحر؟ يقال: مياه الأودية وما يعلق
فيها من مواد طبيعية تُشكل أهمية كبيرة للبحر وكائناته، ولتكاثر بعض النباتات
والعوالق والطحالب البحُرية والكائنات الدقيقة الأخرى، وهي تُسهم أيضًا في تكاثر
ووفرة الأسماك اللذيذة؛ فالمطر فيه الخير في البر والبحر.
اللهم سُقيَا خير وبركة على عُمان وأهلها الكرام،
والحمد لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.