الاثنين، 14 مارس 2016

مجلاص

مجلاص.. اسمٌ لأحد أودية السلطنة الفحول، تحتضنه ولاية قُريات ضمن مسار يمتد من منحدرات الجبل الأسود العظيم وحتى بحر عُمان، يمر بعدة قرى، ويرفد الكثير من الآبار والأفلاج بالمياه العذبة الفرات عبر آلاف السنين، وقامتْ على ضفافه حضارات إنسانية ضاربة في عمق التاريخ، وهو حوض مائي مهم في عُمان.
مجلاص في سنوات خصبه وسيوله بغزارة، له تأثير أيضًا على القرى الواقعة على ضفافه، وقد تغمر مياهه مركز الوُلاية، خاصة إذا اتحد مع وادي المسفاة في سيل جارف، وهُناك سنوات لا يزال الناس يتذكرونها إذا ما جرف مجلاص كل شيء أمامه، وبما يُسمى سنة الغرقة أو الجرفة أو الجائحة، فهم يذكرون سنة سبع (1307هـ) وأحداثها، وعلى مر السنوات الماضية تكرَّرت سيول وادي مجلاص بتلك القوة، كما حدث في إعصاري "جونو" و"فيت".
مجلاص أيضًا يُشكل أهمية تاريخية وإستراتيجية عبر الزمن لتوفير مياه الشرب لأغلب قرى مركز الوُلاية، وكذلك بالنسبة لواحاتها وبساتينها الزراعية الخضراء، ذات التنوع في الإنتاج الوفير؛ ولهذا إلى سنوات قريبة كانت صهاريج نقل مياه الشرب تستنزف المياه من آبار عميقة حفرت في مزارع خاصة، تقع على ضفاف ذلك الوادي.
ونظرًا للاستنزاف الكبير على ذلك الحوض المائي، وفي إطار توجه الدولة نحو توسيع إمدادات مياه الشرب إلى التجمعات السكنية بطريقة حديثة، تمَّ مد شبكة جديدة للمياه إلى جميع المنازل؛ من خلال محطة لتحلية مياه البحر، على أمل في القريب العاجل أن تستثمر -من خلال محطة أكبر- مياه سد وادي ضيقة العملاق، فهو أكبر سدود التخزين في عُمان؛ حيث تصل طاقته الاستيعابية إلى مائة مليون متر مكعب.
في التسعينيات، استثمرَ أحد رجال الأعمال إحدى الآبار الواقعة على ضفاف وادي مجلاص كمصنع حديث لتعبئة مياه الشرب، وكانت له شهرة واسعة على مُستوى الوُلاية وخارجها؛ وذلك قبل مد الشبكة الحديثة للمياه، وحتى أذكر عندما داهم إعصار "جونو" قُريات، وغطى سيل وادي مجلاص قرى كثيرة، سَلِم ذلك المصنع على الرغم من قربه للوادي، وكان مخزونه حينها منقذا لتوفير مياه الشرب بعد أن انقطعت السبل في الحُصُول عليه؛ نظرا لغمر مياه الوادي جميع الآبار الأخرى، وانقطاع وسائل رفع المياه من تلك الآبار لأيام عدة.
قبل فترة قريبة، كُنت في أحد المحلات الكبيرة في العامرات، واستوقفني متسوِّق يبحث عن مياه معدنية ذات جودة عالية، وكان حريصًا على انتقاء أحسن العلامات التجارية للمياه، كان فِكْرُه أن تلك المياه مستوردة لشهرة تلك العلامة، وعندما أخبرته أن المياه التي اشتراها هي منتج عُماني بعلامة مستوردة، بحلق بعينيه نحوي، قائلا: معقووولة، وبدا على وجهه حالة من التعجب والاستغراب والاندهاش. فذلك المصنع الذي كنا نفتخر بعلامته المحلية (مجلاص)، تم استبدالها باسم تجاري يسمى "مسافي".
المياه اليوم تُشكل ثروة وطنية، وقد عملت الكثير من الدول على منع تصديرها إلى الخارج إلا من أجل تغطية طلبات أسواقها المحلية. لهذا؛ من المُهم الالتفات إلى هذا الجانب لدينا في عُمان، ومن الأهمية بمكان أيضًا المُحافظة على العلامات التجارية المحلية، وعدم الانبهار بالعلامات المستوردة، خاصة إذا كانت تحمل في مضامينها أهدافًا خافية ضمن إستراتيجياتها التسويقية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.