الكثيرُ مِنَّا يسمع عن التعقيدات في الإجراءات
الإدارية في بعض المُؤسسات الخدمية، والكل يصب جام غضبه على تفشي البيروقراطية في
تلك المُؤسسات، التي تُقدم لنا السلع والأفكار والخدمات، ونتقدم إليها بالطلبات
والاحتياجات، ومن خلال إداراتها وتقسيماتها وفُرُوعها ننهي المعاملات ونحظى
بالمكرمات.
فهَل فعلا كما نسمع أن البيروقراطية -كمُصطلح ومفهُوم
وفكر إداري- هي التي كانتْ سببًا في تأخير الإنجاز وتحقيق التميز؟ وما هي أصلا
البيروقراطية؟ وإذا لم تكن هي السبب، فماذا إذا نسمي ذلك من الناحية الإدارية؟ وكيف
نعالج هذا الأمر؟!
هُناك الكثيرُ منَّا يخلط بين مُصطلح البيروقراطية
كنظرية إدارية، قدمها للعالم ماكس فيبر أحد عُلماء الاجتماع، وبين ما يُسمى
بالروتين الإداري، وبطء الإنجاز، والتعقيدات الإجرائية في الأنظمة والتقسيمات
الإدارية.
فلم تَكُن البيروقراطية كنظرية إدارية تدعو يوما لمثل
هذه التعقيدات والتعجيزات؛ فهي فكر له دلالة على قوة المكتب أو سلطته، وتهتم وتركز
بصُورة أكبر على المُؤسسات والمشرُوعات الكبيرة؛ كونها هي أيضًا مُؤسسات اجتماعية؛
ولهذا فهي تشمل الجانب التنظيمي والإجرائي لأي مُؤسسة مهما كانت أغراضها وتوجهاتها،
وذلك في إطار من التنظيم وتقسيم الأعمال، وتحديد المهام والواجبات، ووضوح الأدوار
لمُختلف الوظائف والتقسيمات، وبيان العلاقات القائمة بينها، وفق خطوط هيكلية واضحة؛
بحيث تؤدي دورها ومسؤُولياتها وسُلُطاتها الرسمية بجودة وإتقان وبمسؤُولية اجتماعية،
وُصُولا إلى تحقيق الغايات والأهداف والخُطط المرسُومة.
إذن؛ البيروقرطية كفكر إداري براء من الاتهامات
التي نسمعها بين حين وآخر، كلما واجهنا تعقيدا في إجراء إداري للحُصُول على خدمة
أو سلعة أو فكرة ما.
فتجاوُز هذا الروتين الممل والمشكلة الإدارية
المعقدة، والبسيطة في الوقت ذاته، يتطلب تبسيطا في الإجراءات والممارسات، ووضوحا
في القواعد والإجراءات، وتقليلا من المركزيات، وتفويضا في الصلاحيات واتخاذ القرارات،
وتمكينا وتوسيعا في الوظائف بمُختلف المُستويات والدرجات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.