الأربعاء، 19 يوليو 2017

سياحة المغامرات في الجبل الأسود



انتشرتْ، خلال الأيام الماضية، على وسائل التواصل الاجتماعي صُورة لشاب عُماني من بلدة صياء بولاية قُريات يعتلي صخرة حادة على قمة مرتفعة من الجبل الأسود، تلك الصورة أسهمت بطريقة فاعلة في لفت الأنظار لهذا الجبل المهم والإستراتيجي.
وعلى الرغم من أنَّ ذلك الشاب لم يكن مُحترفا لتسلق الجبال بأدواتها التقليدية والمؤمنة السلامة، إلا أنَّ طبيعة سُكان ذلك المكان هم على علاقة خاصة بالصخر والجبل مُنذ نعومة أظفارهم، ومسألة تسلق الجبال هي أمرٌ عادي يُمارسونه مع إشراقة كل صباح تُشرق فيه الشمس على ذلك الجبل المهيب، المختزن بمُعطيات إنسانية وطبيعية عظيمة.
الجبل الأسود.. سلسلة جبلية شاهقة تطلُّ على عدد من القرى الجميلة، وهي امتداد طبيعي لسلسلة جبال الحجر الشرقي الممتدة من سمائل بداخلية عُمان وحتى جعلان بشرقية عُمان.
تتميَّز سلسلة الجبل الأسود بأنها تكتسب نفس خاصية الجبل الأخضر بداخلية عُمان من حيث ظرُوف الطقس وبرودة الجو؛ فدرجات الحرارة على سطحه معتدلة صيفا وباردة شتاء، وتنمو فيه أشجار ونباتات عديدة لا تُعد ولا تحصى، منها نباتات طبية مشهورة في الطب الشعبي، وهو مشهور أيضًا بنبات السعتر (الزعتر) وكذلك بالزيتون البري، ويطلق عليه محليًّا بالعتم.
يَزيِد ارتفاع هذا الجبل على أكثر من 2000 متر؛ لهذا تتكاثر فيه حيوانات فطرية عديدة كالوعل والغزال العربي... وغيرها من الحيوانات والطيور النادرة؛ لهذا خصت الحُكُومة الرشيدة جزءًا منه محمية طبيعية.
تتخلَّل هذا الجبل طرق قديمة إستراتيجية تربط ولاية قُريات وساحل بحر عُمان بولايات أخرى في داخلية وشرقية عُمان، وكذلك بالعاصمة مسقط العامرة، ولا يقصُد تلك الطرق إلا الماهر بخبايا الجبال ووعورتها، وكانتْ لها شُهرة على مر الزمان والعصور، ولها شأن في تاريخ عُمان: الاجتماعي، والاقتصادي، والعسكري.
يتميَّز هذا الجبل بانكسارات وفوالق صخرية خطيرة على حوافه، إلا أنَّ سطحه فسيح ممتد، وبه كهوف عميقة ومغارات عديدة وشهيرة، وسطحه أيضًا يفتقر للمياه إلا ما ندُر؛ بسبب الانحدارات العديدة وطبيعة صخوره النفاذية، ولو مدت له المياه من الأودية المطلة عليه كوادي ضيقة مثلا، لكان له شأن في تنمية الثروة الزراعية، خاصة في زراعة الأشجار التي تنمو في الأجواء الباردة، كما هي عليه في الجبل الأخضر في داخلية عُمان.
ما يُميِّز هذا الجبل أيضًا أنَّ قاعدته وفوالقه الصخرية، تنبع منها مياه خصبة على شكل عيون ومجارٍ للأودية الغزيرة، وتلك هي حِكمة ربانية للتفكر والتدبر في قُدرة الله، وللتأمُّل أيضًا في جمال التضاريس وعطاء الطبيعة؛ لهذا أجرى سُكان القرى المطلة على الجبل الأسود أفلاجًا عِدَّة، كما هي عليه قرى: صياء، وعرقي، والسواقم، والفليج، وقطنيت، والمسفاة، وعباية، والمزارع، وفيق، وسوقة، وعمق، ووادي العربيين، ووسال، وحريمة، وتعب... وغيرها.
تنبعُ تلك المياه من بين فوالق الصخور بكميات محددة ومُتجددة مُنذ آلاف السنين، لا يمكن للإنسان أن يتدخل فيها، وبعضها لا تتأثر أبدا بالمحل، ومتى حاول الإنسان أن يُغير طبيعة تدفقها فقد يجد غير ما يتوقعه، وهنا أذكر في سَنة من السنوات أن قام بعض الأفراد في إحدى القرى المطلة هذا الجبل بمحاولة إزاحة بعض الصخور والجنادل العملاقة التي ينبع من تحتها تلك المياه؛ بُغية الحُصُول على مياه أغزر وأوفر، وإذا بالمفاجأة بأنَّ صخرة كبيرة تقع عليهم لترديهم أموات، ولم يستطع أحد إخراجهم من تحتها إلا بشق الأنفس، حتى كاد أن يصل الأمر إلى تقطيعهم إذا لم يتم التمكن من إخراجهم من تحتها.
الجبل الأسود.. على الرغم من هذه التسمية، إلا أنه مُشرق ببياض ونقاء، وبعطاء وصفاء، يوفر البهجة والأنس والراحة لجميع الكائنات الحية التي تعيش على صفحه البهي، وتلفه السحب الناصعة دوما بحنية وسكينة.
وقد تحدَّى الإنسان وعورته وصعوبته، واستطاع أن يحولها لخدمته والبيئة التي يعيش فيها؛ لهذا تجد سُكانه لا يزال لهم ارتباط عميق بالمكان وطبيعته البكر، لم تُغريهم المدنية على الرغم من وُصُولها إليهم، تجدهم يعيشون في سكينة عميقة، والهدوء يلف مكانهم، لا ضوضاء ولا نكد، تهب عليهم نسمات صافية تنعش النفس والفكر.
استطاعَ سُكان هذا الجبل أنْ يُحافظوا على سلالة عُمانية مُهمة للماعز الجبلي، ويضرب بها الوصف؛ لهذا يقال على الذكور منها: جداية الجبل الأسود؛ فهي مشهورة بهذه الثروة ذات الجودة العالية، والتي من المُهم الالتفات إليها بعناية فائقة قبل اندثارها وفقدانها، في ظل مغريات الحضارة والمدنية الجديدة، ودُخُول سلالات حيوانية وافدة إلى هذا المكان من خارج عُمان.
وفي الختام، أتطلع أن يُنظر إلى هذا الجبل من منظور اقتصادي، فهو بحق ثروة عظيمة في مجال التنمية الزراعية والطبيعية، وكذلك في مجال الصناعة السياحية في الطبيعة والبيئة العُمانية؛ وذلك إذا ما استُثمر بطريقة صحيحة ومدروسة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.