كانتْ ضاحية مُزدانة بأشجار البيذام والأنبا
والشريش؛ كانت غملة تتلاقى فيها أغصان الأشجار؛ تحُفها الرياح ونسناس الكوس
والنعشي.. مُنذ الصباح الباكر كانت وجهة لأطفال قُريات؛ وهم يتأبطون مصاحفهم
وختمهم وألواحهم المسمَّاة السليت.. تخرج إليهم في سكينة ووقار: صباح الخير
ولادي... صبحك الله بالخير معلمة.. تسمع ترانيم الهجوة تملأ المكان: ألف ليس له؛
والباء تحتها نقطة.. حاء ليس له؛ والخاء فوقها نقطة.. تسمع عبارات الاستئذان:
معلمة يرحمك الله؛ معلمة سقاك الله.. تسمع نشيد كلبوه وخمسوه لمن تأخَّر عن المدرسة،
يؤتَى به من أحضان أمه لكي تنظر المعلمة في سبب تأخره عن مدرسة القرآن.. لم يبقَ
من هذه الأشجار الحانية على تلك الأجساد الطفولية؛ إلا شريشة خضراء في طوي
الحمدانية من المسيلة؛ تُذكرنا بالمعلمة شريفة -رحمها الله- ومدرستها القرآنية
القديمة.
هذه بعضُ الذكريات، والمشاهد، والانطباعات، والمشاعر الشخصية، التي واكب بعضُها منظرًا لصُورة التقطتها من البيئة والطبيعة العُمانية، أو ذكرى من التاريخ والتراث الثقافي انطبعت في الذاكرة والوجدان، أو تأثر وانطباع خاص تجاه موقف أو مشهد من الحياة، أو شذرات من رُؤى ونظرة مُتواضعة إلى المُستقبل، أو وجهة نظر ومُقترح في مجال الإدارة والتنمية الإنسانية.. هي اجتهادات مُتواضعة، من باب نقل المعرفة، وتبادل الأفكار والخبرات، وبهدف التعريف بتراثنا الثقافي (المعنوي، والمادي، والطبيعي)، ومنجزنا الحضاري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.