مَعَ الوَالِد مُحمَّد الجلندَانِي والوَالِد سَلِيم الجلندَانِي فِي
مَجلِسهِما الصَّباحي، تُظلِّلنا أَغْصَان غَافَة السَّرح الوَارِفة، ونَتَّكِئ عَلَى
جِذعِها المَتِين، الضَّارب فِي عُمْق الأَرْض، إنَّه مُلتَقى الجَنِين الصَّبَاحي
والمَسَائي.. تِلكَ الغَافة التِي يَصِل عُمرُها إلَى أَكْثَر مِن مائتَيْ عَام، مَا
زَالَت خَضْرَاء، حَانِية أَغْصَانها بحُبٍّ وعَطَاء؛ فهِي ذَاكِرة المَكَان والإِنسَان،
رَعَاها الوَالِد مُحمَّد مُنذ صِبَاه، وحَافَظ عَليهَا؛ فكلُّ غُصنٍ مِنهَا بمَثابَة
سِجلٍّ للذِّكريَات.
يَجْمَع هَذا المَجْلِس كِبَار السِّن، ويَرْتَادُه الشَّباب أيضًا، بَعِيدًا
عَن رَسميَّات جُدرَان الأَسمَنت المُغلَقة، فَضَاء مَفتُوح نَحْو الأُفُق البَعِيد،
تَهبُّ عَليهِ نَسَمات الشِّتاء مِن كُلِّ جَانِب، بِلَا حَوَاجِز.
هُنَاك وُجُوه افتَقدَها هَذَا المَجلِس، مِنْهُم مَن اخْتَارَه الله
إِلَى رَحْمَتِه، ومِنهُم مَن عَثَر بِهِ الزَّمَان لسُوء صِحَّة، كالوَالِد عَبدالله
البلُوشِي، وأَحْمَد البلُوشِي المَعرُوف بالوَطَنِي، وسَالِم البلُوشِي المَعْرُوف
بالسَّلمِي.. وغَيرهِم.
يَجتَمِعُون فِي فَتْرة الضُّحَى والمَسَاء، يَستَذكِرُون الأيَّام
المُنصَرِمة مِن أَعْمَارِهم، الحَافِلَة بالكَدِّ والعَمَل والصَّبر، يَنقِلون خِبرَات
الحَيَاة إلى الجِيْل الجَدِيد بودٍّ ومَحبَّة، فِيمَا صَحْن التَّمر وفَنَاجِين
القَهْوَة تَدُور عَلى مَن حَضَر.
بَسَاطَة الحَيَاة تَجدُها هُنا، وحَدِيث الذِّكرَيَات تَسمَعُه هُنا، تَجِد
الابتِسَامَة مُشرِقة عَلى الوُجُوه، وتَجِد القُلوب مُشرَعَة لاحتِضَان الجَمِيع،
بتَواضُع، وحُسن مُلتَقى، ورَحَابة صَدْر، وكَرَم مُحِب... لَهُم جَمِيعًا أَطْيَب
التَّحَايا، وعَظِيم المَحبَّة والامتِنَان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.