السبت، 2 نوفمبر 2019

غَافَة سَالِم بِنْ حِمِيد

ظَلَّ سَالِم بِنْ حِمِيد يَستَظلُّ هَذِه الغَافَّة لعُقُود مِن عُمرِه، شَبَّ عَلى خُضْرَتِها وعنفُوانِها، مُتَّخذًا امتِدَادَ ظِلِّها مَعْملًا لصِنَاعَته، وهِي صِنَاعَة حِبَال اللِّيف والكمبَار والسُّرود؛ فَإذِا مَا أَرَاد تَميِيل اللِّيف، كَان جِذعُ هَذِه الغَافَة خَيْرَ مُعِين لَه، صَابِرَة عَلى تِلْكَ الضَّربَات والعَسَف بخُيُوط اللِّيف وشِيزه الحَاد، ظلَّ سَالِم بِنْ حِميِد -رَحِمَه الله- يُسَامِرها وتُسَامِره إلَى نِهَاية عُمرِه، مُجدِّدة النَّشَاط فِي جَسَده، كُلَّما استرَاح فِي غَفْوَة تَحْت نَسَمَات ظِلِّها. ذَهَب سَالِم بِنْ حِميِد إِلَى جَوَار رَبِّه، فظلَّت الغَافة خَضْرَاء بَاسِقة، تُنَاطِح السَّحاب وفيَّة لذِكْرَاه.
فِي طُفُولتِنا كُنَّا نَستَظلُّ أَغْصَانها الوَارِفة قَبْل أنْ يهزَّ العَم «الوَطَني» جَرَس الطَّابور، وهَا هِي اليَوْم مَا زَالَت وفيَّة للذِّكرَى، مُشكِّلة عَلَامَة مُرُور لمُفتَرق الطُّرق، بَعْدمَا تَكرَّمت البَلديَّة باتِّخَاذ قَرَار عَدَم اقتِلَاعِها، عِنْد شُرُوعِها فِي رَصْف الطَّريق بسَوَاد القَار؛ فكُلَّما دَارَت السيَّارة عَلى الغَافة، تَذَّكر العَابِرُون سَالِم بِنْ حِمِيد وَهُو يُقلِّد حِبَالَه وعَسَفَات لِيفَه، المعتَّق برَائِحَة النَّخل وتِبْر الأَرْض.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.