قَبل أيام، استضافَ المذيعُ القدير خالد
الزدجالي في برنامجه الصباحي الرائع "الصَّباح رباح"، والذي يُبث عبر
أثير إذاعة "مسقط إف.إم"، المعلمة والمربية الأستاذة سلمى اللواتية، وهي
شخصية عُمانية مجيدة، لها مَقالات فكريَّة منشورة، وجهود تطوعية معروفة، وخدمات
مجتمعية واسعة.
عَرفتها عن قرب من خلال جهودها ومُثابرتها في
رئاسة فريق "صدف"، الذي ضمَّ نُخبة من شباب الوطن؛ حيث كانت تدير الفريق
بمهارات إدارية ورؤى فكرية متقدمة، أشعرتني بفخر واعتزاز بما وصل إليه شباب النهضة
العُمانية من تمكين.
ناقشَ ذاك اللقاءُ الإذاعيُّ عبر الأثير أحد
المواضيع المهمة، التي من الضَّروري الالتفات إليها بجدية، والتركيز عليها في توجُّهات
مناهج مراحل التعليم المختلفة، وهو موضوع: المحافظة على القيم العُمانية والعربية
والإنسانية الأصيلة، والعمل على غَرْسِها في عقول ووجدان الناشئة والأجيال
المتعاقبة، خاصَّة في ظل التواصل الكبير والاختلاط الواسع بين ثقافات العالم، بفعل
تطوُّر التكنولوجيا ووسائل التواصل والاتصال والإعلام الموجَّه، التي قد تتسبَّب
سلبيًّا في الانهزام النفسي والضياع الثقافي للشباب، وطريقة نظرتهم وممارستهم لتلك
القيم المتوارثة.
تأمَّلت كثيرًا في هذا النقاش المهم والقيِّم،
الذي تمَّت إدارته بطريقة حرفية؛ حيث استطاع أن يرسل مجموعة من الرسائل التسويقية
والمعرفية إلى كافة شرائح المجتمع، حول أهمية القيم وضرورة المحافظة عليها،
والاهتمام بتضمينها ضمن سياق مناهجنا الدراسية، بطريقة تتناسب مع ظروف هذا الجيل،
وطريقة تفكيره في صناعة المستقبل، والتركيز على الجانب التطبيقي لها في الممارسة
اليومية والحياتية في بيئة المدرسة وأنشطتها اللاصفية.
وقد قدَّمتْ المتحدثة في البرنامج نماذجَ
وبرامجَ عمليَّة ناجحة لطرائق مبتكرة لتوصيل بعض القيم، وِفقَ تَصَاميم ومُبادرات
ابتكارية، شاركت في تصميمها بمشاركة من طالبات المدرسة، وطبقتها في مدرستها بطريقة
جاذبة وممتعة؛ بهدف نشر الإحساس الجماعي بأهميتها وقيمتها: الثقافية، والاجتماعية،
والاقتصادية. ومن خلالها أيضا، يُمكن أن نَغرس في وجدان النشء الاعتزاز بقيمة
الوطن والأمة، ومنجزاتها التنموية والحضارية، كما تُساعد على تمكين الأجيال
الصاعدة من الإبداع والتفكير الابتكاري في كافة مجالات الحياة.. حاضرًا ومستقبلًا.
نحن في هذا العالم مُتلاطم الأمواج، نعيشُ
اليوم تحولات جذرية في الكثير من القيم الإنسانية، وتغيرات ملحوظة في العديد من
المفاهيم: الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، خاصة في ظل العلاقة المتغيرة
والمتجددة بين الإنسان والتكنولوجيا الحديثة؛ وذلك ما سيتبعه أيضًا في المستقبل
تغيُّر وتجدُّد في الفكر والسلوك الإنساني؛ سواء على المستوى الفردي أو الجمعي.
وإذا ما فرَّقنا بين القيم والأخلاق السائدة في
هذا العالم؛ فهناك الكثير من القيم السائدة قد تتغيَّر بين لحظة وأخرى، لاختلاف
نظرة وقناعة الأجيال بجدواها وأهميتها، وحتما ستسود العالم والمجتمعات -بفضل
التطور المستمر في الحياة- بعض القيم الجديدة، التي لم نألفها من قبل، ولكن تنظر
إليها الأجيال المتعاقبة أنها تتناسب مع حياتهم المتجددة؛ فالرِّهان إذن على
الأخلاق الثابتة، وقيمنا الأصيلة، والقيم الإنسانية المشتركة، إضافة إلى استدامة
ثوابت هُويتنا الثقافية، وتطبيقنا لمبادئ الإدارة بالقيم في مؤسساتنا المجتمعية.
الأمر الذي يَجِب الانتباه إليه، والتركيز
عليه، عند وضع الخطط والأهداف، ورسم السياسات، وبناء الإستراتيجيات والغايات
لمؤسساتنا المعاصرة، وعند تصميم التوجهات المستقبلية للتعليم والإعلام، ومرتكزات
مؤسسات الثقافة والرياضة والشباب، وعند التخطيط لأنشطة مؤسسات المجتمع المدني بتوجُّهاتها
المختلفة، التي يجب أن تشتغل على تسويق قيمنا: الحضارية، والثقافية، والمعرفية، والفكرية
على المستويين المحلي والعالمي، بطريقة ابتكارية ومؤثرة.
كَمَا على القطاع الخاص مُشاركة مهمة في هذا الجانب؛ فدوره لا يجب أن يقتصر على تحقيق الأرباح فحسب، وإنما خلق القيم الحميدة، والمحافظة على قيمنا الأصيلة؛ بحيث تقوم توجهاته الاقتصادية على مَبادئ وقيم المواطنة التسويقية؛ بما يُسهِم في التعريف بمنتجنا الجغرافي والطبيعي، وتقديم منتجنا السلعي والخدمي، ويشجع ويحفز الشباب على المزيد من الإبداع والابتكار في مُختلف المجالات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.