ما من دولة في العالم إلا وعليها الكثير من الديون والقروض الداخلية أو الخارجية -إلا ما ندر من الدول- بما فيها أكبر الدول الاقتصادية في العالم، كالولايات المتحدة الأمريكية، واليابان، والصين، والبرازيل، والهند، والمملكة المتحدة… وغيرها، فهي دولٌ بتريليونات الدولارات.
وهذا لا ينقص هذه الدول مكانة أو قدرة اقتصادية، بل هي سياسة اقتصادية ومالية مدروسة، فمن خلال هذه القروض تكسر حدة تلك الفجوة الرقمية في ميزانيتها، مقارنة بين مواردها المحدودة ومصروفاتها المتزايدة، بهدف ضمان الاستدامة المالية لخططها الاقتصادية، وتنفيذ وتمويل مشاريعها التنموية وبنيتها التحتية، إضافة إلى تغطية نفقاتها الاجتماعية والصحية والتعليمية… وغيرها من الخدمات الحكومية، الملبية للاحتياجات والتطلعات اللا محدودة.
ولا شكَّ أنَّ جميع الدول تتمنى أن تحقق إيراداتها تمويل جميع نفقاتها، ولكن ظروف اقتصاديات العالم تحول دون تحقيق هذا الهدف، خاصة تلك الدول التي تعتمدُ على النفط كمصدر أساسي في إيراداتها، والذي أصبحت أسعاره تتحكم فيه عوامل دولية واقتصادية وسياسية عديدة.
لهذا؛ تسعى تلك الدول إلى تغطية ذلك العجز في ميزانياتها باللجوء إلى خيارات وبدائل عديدة: كسياسات ترشيد الإنفاق، أو التمويل بفرض الضرائب والرسوم، أو عن طريق الاقتراض، سواء كان ذلك من مصادر تمويل داخلية أو خارجية؛ وذلك بإصدار سندات حكومية وصكوك سيادية مضمونة.
ويرى الكثير من المحللين الاقتصاديين أن اللجوء إلى خيار الاقتراض هو الخيار الأنسب، خاصة بالنسبة للدول الريعية، لزيادة الناتج المحلي، وتحقيق النمو الاقتصادي، وهو خيارٌ مهمٌّ يجنب المواطنين تحمُّل تمويل عبء العجز في الميزانية، وهو أيضًا يضمن لهم تصرف استهلاكي رشيد، يحقق لهم حياة معيشية كريمة.
فالاستهلاكُ في عمومه مُحرِّك ضروري ومحفِّز مُهِم للأنشطة الاقتصادية والإنتاجية في الدولة ومؤسساتها الاقتصادية، وله ارتباط بالدخل، وتتحكم به عوامل سلوكية: اقتصادية واجتماعية ونفسية، ويمثل مكوِّنًا مُهمًّا من مكونات الدخل القومي، وهو مُؤشر رئيس لمدى تحقيق التنمية الإنسانية لغاياتها وأهدافها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وضعفه (أي: ضعف الطلب الكلي) هو مَدْعَاة للركود والانكماش الاقتصادي، وقوته تُمثل عاملًا مهمًّا لتحقيق الانتعاش والنمو الاقتصادي، ولهذا من المهم جدًّا إدارة توجهاته وأنماطه المختلفة اقتصاديًّا بطريقة صحيحة.
لا يُوجَد قلق من لجوء أية دولة للاقتراض، لتمويل العجز في ميزانيتها، ولكن لا يجب أن تتمادَى في زيادة الدَّيْن العام وخدماته بصورة كبيرة، بحيث يكون عِبئا على المستقبل، وأنْ تتم إدارته في ضوء إجراءات معتمدة، كنسبة محددة لا يتجاوزها من الناتج المحلي، تتماشى مع الوضع الاقتصادي وقوته لكل دولة، وأن يتم توجيهه في تمويل الجوانب التنموية والاستثمارية والإنتاجية، الخالقة لفرص العمل والإيرادات المستدامة، بدلًا من استخدامه في الإنفاق على الجوانب الاستهلاكية النهائية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.