السبت، 3 أكتوبر 2020

السَّوائل في عِراك

في يوم مشمس مُفعم بالسعادة في قرية البهجة، كان كل سُكَّانها في كل وقت وحين يذهبون لدكَّان العم سالم للسوائل، لكنهم يشترون المشروبات الغازية ويُهمِلون شرب الحليب، كل يوم تنقص علب المشروبات الغازية مُقارنة بعلب الحليب، التي لم يَمسَسهَا أحد، حتى أوشكت على انتهاء صَلاحياتها، فصارت سلة المهملات مليئة بالحليب الفاسد؛ فأراد المشروب الغازي أن يستَحقِر ويستهزئ بالحَليب، فقال له: أرأيت يا حليب الكل يشترونني؛ لأنهم يُفضِّلونني أكثر منك.. هههههه.
قال الحليب: لا تفرح أيُّها المشروب الغازي؛ لأنه من يضحك أولا يبكي أخيرًا.
قال المشروب الغازي: فلنرَ مَن يبكي أخيرًا، لا تُفكِّر أنَّ شخصا واحدا سوف يشتريك، ستنقرض من الدكان وسيبقى مكانك الفارغ مليئا بكل الأنواع والأشكال من المشروبات الغازية.
وبَعَد أسبوع، جاء ولدٌ اسمه "مُحمَّد" هو وأصدقاؤه ليشتروا بعضا من المشروبات الغازية، وبينما مُحمَّد ينظر إلى المشروبات الغازية ليشتريها، لفت انتباهَه الحليب وهو يبكِي، ذَهَب مُسرعًا لأصدقائه ليقول لهم أنْ يذهبوا ويلعبوا بدونه؛ لأنه يريد أن يعرف لماذا يبكي الحليب؟! وعندما ذهب أصدقاء مُحمَّد، انتظر مُحمَّد الحليب حتى يهدأ قليلًا.
قال الحليب وهو غاضبٌ: لماذا تنظر إليَّ هكذا؟ وكأنك لم تنظر من قبل لأحدٍ يبكي.
قال مُحمَّد: لا لا.. رأيتُك تبكي بشدة، فقلت لنفسي سأكلِّمك لعلك تهدأ قليلا.
قال الحليب: انظر إلى الثلاجات، أغلبها مليء بالمشروبات الغازية، أما أصدقائي من الحليب فكل يوم يرمونهم في سلة المهملات بسبب إهمالكم في شراء الحليب؛ فأنتم تشترون الأشياء غير المفيدة أكثر من الأشياء المفيدة، التي تبني أجسادكم وعظامكم.
مُحمَّد: أنا أعرف الحل، سأشرب الحليب كل يوم.
الحليب: شكرًا لك يا مُحمَّد.
ظلَّ الحليب وأصدقاؤه يُفكِّرون في طرق لجذب سُكان القرية.. وبعد وقت من التفكير، قال حليب الفراولة: يحملنا أحد سكان القرية، وينادي في الشارع.. حليب حليب.
قال حليب الشوكلاته: نقول لراعي الدكان أن يضعنا أمام الدكان.
ثم قال حليب الموز: نقول لمُحمَّد أن يلصق أوراقا علينا، ويكتب عليها فوائد الحليب.
ثم قامُوا بطَرحها على مُحمَّد، ليختار طريقة لجذب سكان القرية. وفي اليوم التالي، جاء مُحمَّد، وقال لهم: أنا في حِيرة شديدة! أختار الطريقة التي قالها حليب الفراولة، أو حليب الشوكلاته، أو حليب الموز؟ إنَّه أمرٌ صعبٌ جدًّا، فليساعدني أحدٌ منكم.
قال الحليب: حسنا حسنا، سنُساعدك.
وبعد تفكير، قال الحليب: سنختار فكرة حليب الفراولة.
قال مُحمَّد: سيتعب الذي ينادي بكم، وقد يمل من المشي تحت أشعة الشمس الساطعة.
قال الحليب: إذن، سنختار فكرة حليب الشوكلاته.
قال مُحمَّد: ستفسدون من أشعة الشمس، فأنتم تحتاجون إلى درجة حرارة باردة.
قال الحليب: هكذا بَقِيت فكرة حليب الموز.
قال مُحمَّد: إنَّها فكرة جميلة.
قال الحليب: لكن يا مُحمَّد ليس لديك الأوراق والأقلام.
قال مُحمَّد: لا تخف، سأذهب إلى المكتبة لأطبَع الأوراق بشكل جميل، لتكونوا أكثر جمالا وجاذبية من المشروب الغازي.
قاس مُحمَّد طول وعرض علب الحليب، ثم ذهب إلى المكتبة، وطبع على الأوراق فوائد الحليب، وهي: يحتوي الحليب على الكالسيوم وهو معدن ضروري للحفاظ على صحة وقوة العظام والأسنان، وأيضا يحتوي الحليب على نسبة عالية من فيتامين (د) الذي يعمل على حماية القلب والأوعية الدموية. ثم قام بلصق الأوراق على علب الحليب، وفي منتصف الليل جاء المشروب الغازي، وقال: ما هذا الجمال! هل تعتقدون أنهم سيشترونكم بهذه الملصقات.
قال الحليب: نعم، بالتأكيد سيشتروننا؛ لأنهم سيقرؤون فوائد الحليب العديدة.
قال المشروب الغازي: سنرى غدا منْ سيشترون: أنت وأصدقاءك أم أنا وأصدقائي؟ هيا هيا أخلُد إلى النوم.
وفي اليوم التالي جاء الزبائن كالعادة، ولكن لفت انتباههم الملصقات التي ألصقت على علب الحليب، بعضهم قام بشرائه، والبعض لم يشتروه، وقام الزبائن بشراء الحليب والمشروب الغازي، حتى تعادلا، فصارت خمس ثلاجات مليئة بالمشروبات الغازية، وخمس ثلاجات مليئة بأشكال وأنواع من الحليب.
ففَرِح أصدقاء الحليب كثيرًا؛ لأنهم تعادلوا مع المشروبات الغازية، ولكنَّ الحليب أصرَّ على أن يتغلب على المشروبات الغازية، وتكون كل الثلاجات مليئة بالحليب فقط.
قال الحليب لمُحمَّد: لا يزال الوضع كما هو، أريد أن يخرج المشروب الغازي من الدكان.
قال مُحمَّد: ألا يَكفي أن تتعادل مع المشروب الغازي وأصدقائه، لا تكن أنانيًّا.
قال الحليب: أنا أريد التغلب عليه؛ لأنه غير مفيد ويضر جسم الإنسان، أما أنا فمفيد جدًّا لصحة الإنسان وأبني الجسم.
قال مُحمَّد: أنا نَفدَت مِني الأفكار، لا يُمكنني مساعدتك.. إنْ فكرت في طريقة لجذب السكان فسأخبرك.
قال الحليب: حسنا حسنا، اذهب إلى البيت سأفكر في طريقة.
وبعد تفكير عميق، خطرت له فكرة، وهي أنْ يأتي بإعلامي مشهور في القرية، ويُصمِّم إعلانا عن فوائد الحليب.. وفي اليوم التالي، جاء مُحمَّد وقال: هل فكرت في فكرة يا حليب؟
الحليب: نعم.
مُحمَّد: وما هي؟
الحليب: فِكرتي هي أن نأتي بإعلامي مشهور في القرية، ويُصمِّم لنا إعلانا عن فوائد الحليب.
قال مُحمَّد: إنها فكرة جميلة، سأذهب غدا إلى صديقي خالد.
قال الحليب: صديقك؟ هل هو إعلامي؟
مُحمَّد: نعم نعم، إنه إعلامي.
وفي اليوم التالي، ذهب مُحمَّد إلى صديقه خالد، ودار بينهما الحوار الآتي:
مُحمَّد: السلام عليكم ورحمة الله يا خالد.
خالد: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ماذا تريد؟ ليس من عوائدك المجيء إلى المكتب!
مُحمَّد: أريدك أن تخدمني في شيء.
خالد: ما هو هذا الشيء؟
مُحمَّد: هل تستطيع أن تصمم لنا إعلانا عن فوائد الحليب؟
خالد: للأسف لا أستطيع أن أساعدك؛ لأنني هذا الأسبوع منضغط كثيرا، أنا آسف.
مُحمَّد: حسنا حسنا، لا بأس، سأذهب إلى إعلامي آخر.
ذهب مُحمَّد إلى ما يقارب العشرة إعلاميين، لكنهم رفضوا بسبب انضغاطهم وانشغالهم في الأعمال الأخرى، لكن مُحمَّد لم ييأس، ذهب إلى شمال وجنوب وشرق وغرب القرية لمساعدة الحليب المسكين، الذي يريد الصحة للناس، وواصل مُحمَّد البحث، حتى رأى الإعلامي المشهور الذي وافق على أداء هذا الإعلان، ثم رجع مُحمَّد إلى الدكان، وقال: أخيرا وبعد بحث طويل، عثرت على موافقة أحد الإعلاميين.
الحليب: الحمد لله، متى سيبدأ الإعلان؟
مُحمَّد: يحتاج الإعلامي إلى وقت طويل، لكي ينهي أشغاله.
الحليب: سننتظر إذنً وقتا طويلا حتى ينشر الإعلان على كافة مواقع التواصل الاجتماعي.
مُحمَّد: أنا سأذهب إلى البيت.. وداعًا.
الحليب: وداعا.. وشكرًا لك.
مُحمَّد: لا شكر على واجب يا صديقي.
ثم جاء المشروب الغازي، وقال: صحيح إنك تعادلت معي، لكنك لن تستطيع التغلب عليَّ.
قال الحليب: إنتظر، فبعد أيَّام سترى نفسك خارج الدكان.
المشروب الغازي: هههه، لا أحد يغلب المشروب الغازي، أنا سأذهب فقد انزعجت منك.
الحليب: حسنا، اذهب.
وبعد أيام، اتصل الإعلامي بمُحمَّد، ليُخبره أنه سيأتي إلى الدكان، لكي يُصمِّم الإعلان، ثم جاء الإعلامي إلى الدكان، وقاموا بالمناقشة لكي يظهر الإعلان بصورة أجمل، وبعد المناقشة قام الإعلامي بتصوير الإعلان، ثم نشر الإعلان في جميع مواقع التواصل الاجتماعي وفي التلفاز، وبعد أسبوع كَثُر عدد زبائن الدكان، وكلهم يشترون الحليب، ولا يقربون من المشروبات الغازية، ولم يتوقفوا عن شراء الحليب، حتى انتهت صلاحية المشروبات الغازية.
وفي مُنتَصف الليل، جاء المشروب الغازي وهو غاضب كثيرا، وقال: ماذا فعلت بي؟ الكل يشتريك ولا أحد يشتريني.
قال الحليب: هذا الذي يحدث لك، كان يحدُث لي، هذا عقاب لكي تشعر بما كنت أشعر به.
المشروب الغازي: ما هذا الهراء الذي تتحدث عنه، انتظر قليلا سيشترونني أكثر منك.
الحليب: في أحلامك أنَّ شخصًا واحدًا سيشتريك.
قامَ المشروبُ الغازي بلصق عليه الأوراق، ولكن لم يعرف ماذا يكتب لأنه عديم الفائدة، فلم يكتب شيئًا، ثم قال الحليب: ما هذه الورقة البيضاء التي عليك؟
قال المشروب الغازي: أنا أحاول إيجاد طُرق لجذب السكان.
الحليب: لا تُقلِّدني لأنهم لن يشتروك.
قال المشروب الغازي: سيشترونَني.
وفي اليوم التالي كالعادة، قام الزبائن بشراء الحليب، ولم يشتروا المشروبات الغازية، ثم قال المشروب الغازي للحليب: بالتأكيد أنك انتصرت عليَّ، لكني استحق، لأنَّني استحقرتك كثيرا طوال هذه الأيام، صحيح تذكرت: اليوم ستنتهي صلاحيتي.. وداعًا.
الحليب: وداعًا.
بعد أيام، صَار الدكان مليئًا بأشكال وأنواع من الحليب، وعمَّت الحياة بالسعادة في قرية البهجة الصغيرة.
النهاية...،
رغد بنت صالح بن سليمان الفارسية
ولاية قريات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.