بدأ المطر ينهمرً بخيراته على رُبى بلادي، ليسقي
الأرض العطشى ويبلل الأجساد المتعبة، وينعش الأرواح من جديد، لتشق طريقها نحو العطاء
بمحبة.
نَسَمات الصَّيف تهب بصيب نافع، فيما الريح تعصف
بالأغصان في العلا بلحن شجي، تتراقص معه كائنات الأرض فرحة بقدوم الغيث، والشمس
ترسل بأشعتها البيضاء من علا السحاب، لتبهج الكون بخير مُستمر ومُستدام، لتُشكل
مشاهد رائعة من الجمال والتجانس الطبيعي والإنساني.
يَتَّكئ الصياد على ظهر قاربه، يمسح على الرمل
البارد بيديه، يرسم خطوطا على الأرض، يهمس في أذن صديقه بقصص البحر وخيراته، فيما
الموج كبياض الثلج ينضح بقوة، يردد الصياد أغنية البحر، مذكرا جالسيه بضربات البحر
ومواسمه: هذه الأيام موسم ضربات الشلي، إما ينتهي في البحر أو يضرب في البر، ويقول
عرب الأوليين: الشلي خريف.. وداعي الهنقري ضعيف.
هُناك مُزَارِع يقف في مزرعته أمام نخلة عوانة
بتفاؤل شديد، تلك النخلة حبلى بالثمار اللذيذة، ومحملة بعذوق ثقيلة، مشرقة تلك
النخلة بجمالها الأخاذ، تتمايل مع الريح بشموخ وبثبات وكبرياء، يهمس المزارع في
أذن حفيده بأن الخصب سيعم البلاد، وسيسيل الوادي في مجراه محملا بالماء والطين،
وسيتدفق الماء في ساقية الفلج عازفا سيمفونية رائعة، وسيملأ المطر قاع الطويان
بالماء الوفير، وسيعود الغصن اليابس أخضر لا محالة.
في الجبل الشاوي (الراعي) يجمع قطيعه، يناديها
بأسماء جميلة، يُهيَّأ لها المكان لتستريح، تظللها أغصان سمرة حانية، كأنها مظلة
على امتداد واسع، ينظر الراعي إلى قمة جبل السعتري ونظره الآخر على عقبة المعمارية
والجبل الأسود، السحب تغطي تلك الجبال بكثافة، ينهم بصوت عال على أغنامه بأن العشب
اليابس سيخضر، يتردد الصوت في الفلاة بهدوء وسكينة، ينهم الرعد بأن المطر آت.
أطفال الحارة يلهون ويلعبون ببراءة جميلة، يرسمون
بالتراب المبلل بالمطر مربعات، ويكورون طين الأرض من أجل بهجتهم بالمطر، الطفلة
يبلل شعرها المنساب على كتفيها، ترفع وجهها نحو السماء فرحة بالخير، تتنفس رائحة
المطر بعمق، تعزف حناجر الأطفال حينها بصوتهم الشجي نشيدا قديما.. فرحا بالمطر:
مطر.. مطر في الأنحاء
يهوي.. يهوي من علياء
قطر صافي ماء فضي
يسقي الأشجار العطشانة
يروي الأرواح الظمآنة
ربي ما أكرم إحسانه
ربي ما أجمل خيراته
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.