أَحَد الأصدقاء يَسْأل عن كلمة "الخبيل"،
التي تطرَّقت إليها في تغريدة أو تدوينة سابقة بعد زيارة شخصية لموقع سياحي في
ولاية قُريات يسمى الخبيل؛ وذلك بهدف الخروج من مُنغِّصات الحياة ومَتَاعبها على
الرغم من هذا الصيف القائظ.
ولَيْسَت تلك هي الزيارة الأولى للمكان، وإنما
سبقتها زيارات عديدة، بسبب قرب المكان وسهولة الوُصُول إليه؛ فهو لا يبعد عن مسقط
العاصمة إلا بمائة كيلو متر تقريبًا، وعن قلب المدينة قُريات عشرات الكيلومترات؛ فقد
كانت زيارتي السابقة لهذا المكان لأسباب إعلامية وتوثيقية للمكان؛ فكلُّ شبر منه
له حكاية مع الطبيعة والإنسان.
لَقَد كتبتُ كثيرا عن المكان؛ فمنها منشور عبر
الصحافة المحلية إبان اشتغالي بالصحافة والإعلام، عندما كنت مراسلا للعديد من
وسائل الإعلام المحلية في قُريات، أو عبر كتابي "قُريات.. ماض عريق وحاضر
مشرق"، في طبعاته الثلاث، و"قُريات.. عراقة التاريخ وروعة الطبيعة"،
وفيهما المزيد من التفاصيل عن الخبيل وغيره من المواقع التاريخية والسياحية في
قُريات.
المهم.. كلمة الخبيل عندنا مُرتبطة بمهنة الزراعة،
أكثر من غيرها؛ فالمزارعون والبيادير -حسب لهجتنا المحلية- أكثر تداولا لهذه
الكلمة، وهُنا أودُّ تقديم بعض المُصطلحات المُرتبطة بهذه الكلمة؛ وذلك من باب
اللهجة المتداولة لدينا في عُمان على العموم، وفي ولاية قُريات على وجه الخصوص، وقد
يكُون ذلك مُتوافقا مع اللغة العربية القحة في كثير منها، وهنا قُدرَاتِي تقف لأنَّني
لستُ مُختصًّا في علومها، وأتركُ المجال لأهل الاختصاص للتعليق عليها، وعلى رأسهم
أستاذي القدير الدكتُور هادي حسن حمودي، وغيره من الأصدقاء الكرام من داخل عُمان
وخارجها، عبر هذا الفضاء المفتوح؛ بهدف تبادل المعرفة والعلوم النافعة للإنسان.
المُزَارِعون لدينا يُطلقون أسماءً مُختلفة على
تقسيمات الأرض الممهدة للزراعة؛ فهُناك: الضاحية، والجلبة، والخب، والوعب،
والصوار، والعامد، وكذلك الخبيل. فالخبيل هو تقسيم في الضاحية على شكل مُستطيل، منخفض
قليلا، تُحيط من جوانبه دكوك من التراب تُسمى الوعب، وهو عكس الجلبة التي تكُون
مربَّعة الشكل، وللخبيل فتحة في أحد أضلاعه تُسمى الصوار؛ بهدف تغذية ما يُزرع فيه
بالماء، والذي يتدفَّق عبر مجرى مائي من التراب يُسمى العامد، وعادةً يكُون العامد
يستقي الماء من حوض أو غميلة أو جابية تقع بالقرب من الطوي (البئر)، كانت تُنزفُ
منها المياه قديمًا عبر الزاجرة، أو بالدلو، أو باليد، أو عبر أداة محلية تُسمى
المنزفة، وحديثا عبر الميكنة، وهذا طبعًا يقتصرُ على القرى المعتمِدَة على الآبار
الجوفية. أما في حالة الاعتماد على وُجُود الأفلاج، فإن الأمر يكُون مُختلفا.
وعَادَةً يُزرَع في الخبيل نباتات ومزروعات مخصوصة؛
مثل: البطيخ العُماني، والجح، والخيار، والبوبر، والفندال، وهي عادةً فُرُوعها
تحشي على سطح الأرض، وهذا المنخفض (الخبيل) يُسَاعِد الشجرة المزروعة على التنفس
والنمو في مساحات أوسع.
إذن؛ كلمة الخبيل هي من لهجتنا المحلية، وهي أيضًا
-حسب علمي المُتواضع- كلمة عربية فصيحة؛ فأما الخبيل الذي أشرتُ إليه في التدوينة
السابقة، فهو مكان رائع يتوسط بين المزارع وحيل الغاف بولاية قُريات، وهو عبارةٌ
عن منخفض بين جبلين شاهقين، لهذا سمي باسم الخبيل، وهو مجرى طبيعي لوادي ضيقة
الشهير في عُمان.
ويُشكل الخبيل منتجعًا سياحيًّا طبيعيًّا، وهو في
الوقت ذاته موقع أثري وبيئي زاخر بالحياة الفطرية كموئل طبيعي، وبالتنوع الإحيائي
في البيئة البرية والجبلية، ويُمكن الوُصُول إليه عبر طريق المزارع، وقديمًا كان
أكثر خصوبةً بالمياه، وفيه آثار قديمة تحتاج إلى دراسة واهتمام قبل تأثير الطبيعة
ويد الإنسان على مُقوماته، ومكانته: التاريخية، والأثرية، والمعرفية.
وَهَذَا المكان يُشكل "آمة" المصدر الرئيس
والمغذي الطبيعي لفلج حيل الغاف الحالي، كما يُمكن للزائر للخبيل أن يُشاهد على
حواف الجبل آثارَ فلج حيل الغاف القديم ذي القصة الأسطورية المثيرة، وتكثُر في
المكان أيضًا الأحواض المائية الطبيعية طوال الممر، وُصُولا إلى سد وادي ضيقة العِمْلَاق:
أحد مُنجزات النهضة المُباركة.
ويُشكِّل خرير المياه المتدفقة بين الحصى وفي
الجبي العميقة سيمفونية رائعة تُطرِب القلب والوجدان، وهو بحق مكانٌ للاستمتاع
بالهدوء والسكينة، وبجمال الطبيعة والجُغرافيا، والانتعاش بالمياه الباردة في هذا
الصيف الرائع، وسط نسمات مُمتعة تُريح الجسم والفكر بعد عناء ونصب. أتمنَّى أن
أكون قد وُفِّقت بكتابة ما يفيدكم، ومِنْكُم المعذرة على النسيان والتقصير.. والله
يُوفِّق الجميع لما فيه الخير والفائدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.