الأربعاء، 24 فبراير 2016

أيَّام زمان

أيام زمان، قبل دُخُول الكهرباء في عُمان، يستغل الناس سطوح منازلهم وفناء بيوتهم للنوم؛ حيث ينسجم الإنسان مع روعة الطبيعة ونسيم الهواء العليل.
يتأمَّل فيها السماء بزينتها البراقة، ويستمتع بخياله بتلك الخيوط الذهبية المتلألئة، التي يرسمها القمر من خلال أشعته الناصعة على تلك السطوح المفتوحة، والفضاء الفتان، والأجساد المتقاربة والدافئة والمبتهجة برومانسية مؤثرة.
وكان حِينَها يستخدم الكثير من السكان وسيلة مُبدعة لمكافحة الحشرات الطائرة كالبعوض، ولهذا اخترع ما يُسمى بالبشانة أو الناموسية؛ وهي على شكل قماش فضفاض ناعم أو خيوط من النايلون لها ألوان مُتعددة؛ جذَّابة وبراقة، يتم تركيبها بطريقة فنية على مكان النوم أو على السرير؛ سواءً كان كرفاية أو كاتلي، أو حتى سجم من سعف.
والبشانة لها فَتَحات دقيقة، وفي نفس الوقت مانعة لدُخُول الحشرات إلى سرير النوم، وعادةً ما يتمُّ تركيبها مع سلوم الشمس؛ أي قبل الغروب وقبل زحف الحشرات الليلية الطائرة، وكذلك بهدف تعريض الفراش للتبريد الطبيعي.
ما استَوقفَنِي كثيرا خلال تلك الأيام الجُهُود التي كانت تُبذل من أجل المُحافظة على تلك الأسماك مُتناهية الصغر، التي تعيش في مياه الآبار والأفلاج والغدران والأودية، والتي نسميها "الصد"؛ حيث كانت هُناك أعراف محلية للمُحافظة عليها؛ تنظم تربيتها وصيدها.
أتدرُون لماذا كان العُمانيون -خاصة في القرى الزراعية- يحرصون على تكاثُر تلك الأسماك؟ هذا ما أكد عليه عُلماء اليوم!
لقد أَثَبت العلم اليوم أنَّ تلك الأسماك الصغيرة -والتي نسميها "الصد"- هي مكافحة حيوية ليرقات البعوض المسبِّبة لمرض الملاريا، والتي عادة ما تتكاثر في المياه العذبة، وهي أيضًا تُسهم في تنقية تلك المياه من الشوائب.
لِهَذا؛ من المُهم جدًّا أن تكُون هُناك مُبادرات من البلديات والجهات البحثية في التفكير بدراسة هذا التوجه القديم لدى العُمانيين، والعمل على إيجاد وسائل وطرائق علمية تساعد على تكاثر واستخدام الصد، وكذلك هي الضفادع (القر) لها فوائد أيضا، وحشرة زمبور الماء ذات الألوان الجميلة (اليعسوب) -التي نشاهدها تُرفرف على السواقي والأحواض مُحلِّقة في الهواء- فهي جميعًا تسهم في عملية المقاومة الحيوية للحشرات المائية بدلًا من المبيدات ودخان الديزل، الذي تنثره مكائن الرش، والكثير منه يسبب بعض المضار على البيئة، ويحد من تكاثر مثل هذه الحشرات المُفيدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.