زمان.. إذا ما أراد أحد الأشخاص أن يوبِّخ آخر
بعنف، أو حدث تعارك بين الأطفال، قيل: "تراني بزردك من غلصومك"، والبعض
ينطقها غُرصومك بإبدال اللام راء، أو يقول: "تراني أقبضك من غلصمتك"؛
إذا عدتها.. فما هي إذن الغلصمة؟ وما علاقة الكلمة بالأسماك الطرية والطازجة؟
الغلصمة في جسم الإنسان: موضع في حلقومه أو حلقه،
ينظم عملية البلع، ولها أهمية في حياته.
وإِذا مَا تأملنا كبار السن عند دُخُولنا لسوق
السمك؛ نجدهم يُعاينون السمكة قبل أن يشتروها؛ فمرة ينظُرون إلى رأسها وخيشومها
وعيونها، ومرة ينغزوها بطرف أصبعهم.
تِلْك العملية ليستْ من فراغ؛ فهي نظرة لا تخلو من
خبرة؛ لمعرفة درجة مدى صلاحية لحم السمكة من عدمه؛ فهُناك علامات تظهر على جسم
السمكة إذا كانت طازجة أو طرية، أو هي فاسدة أيضًا.
مِن بَيْن تلك العلامات التي تظهر على جسم السمكة:
درجة لون غلاصم السمكة، والغلاصم هي الخياشيم، أو كما في الدارجة: الغنوش أو
النغنوغ؛ فإذا كان لونه يَمِيل إلى الاحمرار تكُون السمكة حينها طرية وطازجة، وإذا
كَان باهتا يميل إلى اللون البني أو الرمادي الدَّاكن؛ فيعني: السمكة ليست بتلك
الدرجة، وقد تكُون فاسدة.
كَمَا مِن خلال تلك الغلاصم يَعْرف الإنسان إذا
كانت السمكة قد ماتت تحت الماء، وتسمَّى حينها السمكة بالغريقة، أي: ماتت مُختنقة
تحت الماء، لتأخُّر الصياد عن إخراجها في الوقت المناسب، لأنها علقت في الشباك أو
الصِّنارة لفترة طويلة من الزمن، فمَوْت السمكة بعد صيدها خارج الماء أفضل من حيث جودتها.
كَمَا أنَّ عملية الضغط على جسم السمكة بطرف
الإصبع علامة أخرى على سلامة السمكة من عدمه؛ فإذا رجع جلد السمكة بعد الضغط دُون وُجُود
أي أثر ظاهر تكُون السمكة طرية والعكس صحيح، كذا هي العيون إذا كانت لامعة وغير
غائرة، وخروج رائحة من رأس السمكة تُشبه رائحة أعشاب البحر.. كلها علامات دالة على
سلامتها.
المتفكِّر في تركيب ومُكونات غلاصم السمكة -أي
خياشيمها- يجد عظمة ذلك المخلوق؛ فهي تضمُّ مجمُوعة كبيرة من الأوعية الدموية
الدقيقة، ومن خلالها تتنفس السمكة الأكسجين، الذي تُنتجه طحالب وعوالق ونباتات
البحر، والمذاب أو المنحل في الماء، وتخرج السمكة ثاني أكسيد الكربون من غلاصمها
أيضا، ولتنظيم دُخُول الماء فيه يتولى صدغ أو شدغ السمكة هذه المُهمة: فتحًا، وغلقًا.
تلك الغلاصم وبقايا أجزاء جسم السمكة (الهسك)،
تُشكل أيضًا أهمية في قديم الزمان؛ فكانت تُجمع وتُطبخ مع الفلح وجرو الموز، كوجبة
دسمة تُسمَّى المغبرة؛ وتقدَّم إلى الأبقار في تجويف جذع نخلة يسمى المطعم، لتقويتِها
وزيادة إدرار الحليب، وتُستخدم أيضًا لتسميد النباتات والنخيل والأشجار، ويستخدمها
البدو بعد تمليحها وتجفيفها لتخثير حليب الماعز وصناعة الأجبان.
فلا تَنْسَوا أن تلقوا نظرة على غلاصم الصيدة؛
والتأمل في تركيبها وجمالها، كلما سنحت لكم الفُرصة لشراء سمكة طرية، هي في كل يوم
تُشكل وجبة رئيسية في موائدنا الرمضانية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.