الأحد، 13 مايو 2018

الدرنة

اليوم، كُنت أستمع إلى منتدى الوصال الإذاعي، للإعلامي موسى الفرعي، وأثار ضمن مقدمته للبرنامج عادة قديمة في مُجتمعنا العُماني تُسمَّى قتل الحنش أو الدرنة؛ حسب اختلاف ألفاظ لهجتنا الثرية بين الولايات العُمانية، وكان تركيزُه في هذه المسألة على وجبة الطعام، والمبالغة في هذا الأمر، وهنا أحب أن أسلط الضوء على كلمة "الدرنة".
الكلمة مُرتبطة بمَثَل عُماني قديم، مُتَدَاول كثيرًا في الولايات العُمانية، التي تكثر فيها زراعة النخيل، والمثل يقول: "اليوم ضرب الدرنة وباكر كل واحد في قرنة".. فما هي الدرنة؟ وما معناها؟ وما هو توقيتها؟ ومتى يقال هذا المثل؟
هُناك عادة عُمانية قديمة لم تعُد موجودة الآن، تسمى: كناز التمر، وتقام عادة مع نهاية موسم القيظ؛ حيث توعى التمور بعد كنزها في أوعية خوصية، ثم تشك من الأعلى بحبال أو خيوط رفيعة تُسمى السرود، بواسطة إبرة تصنع من زور النخيل، تُسمى مسلة، وحتى لا يكُون هُناك مجال من وُجُود فراغ أو مكان في الجراب يدخل منه الهواء، فيفسد أو ينخر أو يفس التمر أو السح، تكُون هُناك فتحة صغيرة في جانب الجراب من الأعلى تُسمى "درانة"، يوعَّى من خلالها ما بقي من فراغ في الجراب بكتل صغيرة (كسرة) من السح المكنوز، وتُدك بواسطة خشبة تُسمى مكناز، ثُم تشك بالسرد، ثم تُدق بحصاة مثل السفن، لكي يتم التحكم في إغلاق الجراب أو ظرف التمر.. تلك العملية برُمَّتها تُسمى "درانة"؛ أي: ملء الجراب على آخره بالتمر أو السح المكنوز.
هذا المَثَل الذي ذَكَرْناه أعلاه بمثابة تشبيه لهذه العملية، وهو مَثَل يُقال للتسلية والمرح والفكاهة؛ فعادة في اليوم الأخير من شعبان تتجمع الأسرة أو الجيران على مائدة واحدة للغداء؛ ففي ذلك اليوم يتم تأخير وقت تقديم تلك الوجبة عن عادتها، وتكون بمثابة غداء وعشاء في ذات الوقت؛ كون وجبة السحور تعقبها في فترة ما قبل الفجر.
لم تكُن تلك الوجبة، التي تقدم في ذلك اليوم في مُكوناتها مثل ما يتصوره ويعيشه جيل اليوم؛ فهي وجبة مُتواضعة، عِبَارة عن أرز أو عيش أو خبز رخال، وبعض السمك أو مرقة لحم، أو مالح أو سحناة قاشع، أو خمباشة عوال مع بعض التمر والخُضراوات، لكن فيها سمات إنسانية تعزِّز العلاقات الأسرية والروابط الاجتماعية بين أهل المكان، وفي تجمعهم العائلي والإنساني في ذلك اليوم.
ومَعنى "باكر كل واحد في قرنة"؛ أي: جالس في زاوية؛ حيث لا طعام حتى وقت الفطور. أما قتل الحنش، فهو قصة أخرى، وهذه اللفظة أكثر انتشارًا لدى أهلنا الكرام في مُحافظة ظفار، ولكن في توقيتها ودلالاتها تحملُ نفس التوجُّه والمعنى، وإن اختلف معنى اللفظ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.