شُرْطَة عُمان السلطانية.. عينٌ يَقِظَة ساهرة، وخدمات متطورة راقية...
في العقد الأول من سبعينيات القرن المنصرم شرعت شرطة عُمان السلطانية في بناء أول مركز للشرطة في ولاية قريَّات، وقد تم اختيار موقعه على آخر مسار طريق وادي مجلاص القديم من جهة مدخل مركز مدينة قريَّات، فكان وادي مجلاص بمقياس ذلك الزمن، بمثابة الحلقوم للسيارات في بداية ظهورها، ومسار عبورها إلى الولاية.
طريق وادي مجلاص التراثي تم شقه في ستينيات القرن المنصرم، قامت بتنفيذه دائرة التحسينات في مسقط، ضمن مشاريع تنموية في عُمان: كتمهيد الطرق، وبناء بعض العيادات الصحية، وأغلب مسار ذلك الطريق في فوهة وادي مجلاص العظيم.
كان ترابيًّا وعرًا، وكان شاقًّا ومُرهِقا على الأجساد، وفي الوقت ذاته كان مُمتعًا بمناظر تضاريسه الخلابة (تم تغيير مساره مع أول طريق مرصوف، افتتح يوم الثلاثاء الموافق 11 ديسمبر 1979م).
وفي صبيحة يوم 13 مايو من العام 1977م، اختِرتُ ضمن نخبة من زملاء الدراسة في مدرسة راشد بن الوليد، للمشاركة في احتفال افتتاح أول مركز لشرطة عُمان السلطانية في قريَّات، فركبنا حافلة مكشوفة للوصول إلى أطراف مركز المدينة، حيث يقع مبنى المركز، قيل لنا حينها بأننا سنكون ضمن طابور التحية براعي الحفل إلى جانب رجال الشرطة البواسل، كان راعي الحفل والي قريَّات حينها سعادة السيد بدر بن علي البوسعيدي -رحمه الله.
أخذنا مواقعنا في الجهة الغربية للمركز؛ حيث مهبط صغير لنزول طائرة الهليكوبتر، كانت هناك علامة هوائية ملونة، تؤرجحها الريح على عمود حديدي بجانب ذلك المهبط، قيل لنا إن الحفل سيبدأ بعد وصول قادة الشرطة من مسقط على متن الطائرة، وما هي إلا دقائق فإذا بالطائرة تحُوم في المكان في مشهد مهيب، كان المشهد الأول في حياتي للطائرة، كان أحد رجال الشرطة مُمسِكًا بإشارات خشبية، تشبه مضارب تنس الطاولة، يشير بها إلى قائد الطائرة بطريقة منظمة ودقيقة، موجِّها له لمكان الهبوط.
بعد خُفُوت صَوْت مروحة الطائرة، ونزُول من كان على متن الطائرة، وأخذ مكانهم في ساحة الحفل، بدأت مراسم افتتاح مركز الشرطة، حيث استعرض سعادة الوالي طابور العرض، وكنا نحن طلاب المدرسة في صف نُحيِّي راعي الحفل والحضور، ثم أخذنا جولة في تقسيمات المركز، والاستماع إلى مهامه الأمنية والخدمية.
يومًا.. كان خَيَال مشهد الطائرة أحد إجاباتي المدرسية، كرسمة على سؤال ضمن الاختبارات النهائية لمادة التربية الفنية في فترة دراستي في المدرسة، وجدتُ تلك الرسمة في ملفِّي المدرسي، ضمن وثائقي المدرسية، والذي استلمتُه بعد إنهاء متطلبات التعليم الأساسي في تلك المدرسة، فكانت المدرسة حينها تحتفظ بكل وثائق وإجابات الاختبارات النهائية للطالب في ملفه المدرسي، وإلى الآن أحتفظ بتلك الرسمة لذكرياتها الجميلة.
وعلى مدار سنوات عديدة، ونظرًا لعدم توافر وسائل النقل كما هي عليه اليوم، كانت الطائرة وسيلة مهمة لخدمة سكان الجبال في الولاية، كقرى سوقة وعمق ووادي العربيين وسكان الجبل الأسود الأشم، وإبان عملي لاحقا في مكتب الوالي، كان يأتي إلينا سُكان تلك القرى النائية، لطلب نقل أمتعتهم من مركز الولاية إلى مكان سكناهم، وما إنْ تصل طلباتهم إلى شرطة عُمان السلطانية أو سلاح الجو السلطاني العُماني، إلا وطلبهم مُجَاب على الفور.
كانتْ الطائرة تنقلُ مواد البناء والمواد الغذائية، وتنقل المرضى والمصابين، وبين الحين والآخر كان رؤساء المصالح الحكومية بالولاية والأطباء يزُورون تلك الأمكنة النائية على متن تلك الطائرة، لخدمة ومُتابعة أحوال الناس والاستماع إلى احتياجاتهم ومتطلباتهم من الخدمات، ليتم إحالتها إلى الجهات المختصة في الدولة، لدراستها وتلبيتها ضمن خطط التنمية الإنسانية الشاملة في السلطنة، كنت حينها موظفا في مكتب الوالي، فتشرفتُ مرارا بالمشاركة في هذه الجولات الميدانية على متن تلك الطائرة المهيبة، لتعيد بي الذاكرة إلى أيام طفولتي الأولى.
مرَّتْ سنواتُ العمر، فها هي شرطة عُمان السلطانية تتوِّج خدماتها المتطورة والراقية بمركز جديد في الولاية، تم بناؤه على ربوة جميلة، تشرف على مسار طريق واسع وحيوي، يربط محافظتي مسقط وجنوب الشرقية، ويتميز المركز الجديد بتصميم عمراني حديث، مستوحى من تراثنا المجيد، تم الانتقال إليه في صبيحة يوم الأربعاء الموافق 29 يوليو 2020م.
وها هي شرطة عُمان السلطانية تبشرنا اليوم من جديد، بقرار توسعة خدماتها في هذا المركز، لتشمل تقديم خدمات (المرور، الأحوال المدنية، والجوازات والإقامة) بمبنى الخدمات في ذات المركز بولاية قريَّات، وذلك اعتبارا من يوم 23 نوفمبر 2020م، وهو قرار يثلج الصدر، ويسعد الخاطر، ويشعرنا بالفخر والاعتزاز.
فعلى مدار سنوات النهضة المباركة، شهدت خدمات شرطة عُمان السلطانية نقلة كمية ونوعية، فهي متاحة بسهولة ويسر في مختلف ولايات السلطنة، تتَّسم بالدقة والجودة وسرعة الإنجاز، ضمن منظومة إلكترونية متقنة ومتطورة.
فالشرطة دومًا تمدُّ يدها الحانية إلى كل مواطن ومقيم، لخدمته وتحقيق رضاه وسعادته وراحته، وهي أيضا ساهرة بجد وحزم على أمن الوطن ومكتسباته.
وفي هذا المقام، أقترح أنْ يُستَغَل مركز الشرطة القديم، ليكون مركزا لخدمات الهيئة العامة للدفاع المدني والإسعاف، لقربه من السوق والأنشطة التجارية والصناعية، إضافة لتوسُّطه قرى مركز الولاية، ذات الكثافة السكانية.
تحيَّة حب وشكر وعرفان لشرطة عُمان السلطانية على جهودها الخيرة وخدماتها الجليلة، ونبارك لأهالي ولاية قريَّات الكرام على هذا الصرح الوطني الشامخ في ظل نهضتنا المتجددة، بقيادة سلطاننا المعظم -حفظه الله ورعاه.
صالح بن سليمان الفارسي
2020/11/22