اطلعتُ، مُؤخرا، على دراسة أجراها ديفيد آينسال
حول أهمية أشجار السمر والغاف، ودورها الحيوي في الطبيعة العُمانية، وهذه الدراسة
قام بترجمتها ونشرها في كتاب رئاسة أركان قوات السلطان المُسلحة مشكُورة، ضمن
اهتمامهم بالبيئة ومُكوناتها ودعم تنميتها.
الدراسة تُؤكد أن هذه الأشجار من الأشجار التي
تكيفت مع البيئة مُنذ آلاف السنين، وهي مُقاومة للحرارة وقلة الأمطار والأمراض
النباتية ولها فوائد عظيمة.
حيثُ تُسهمُ بدور فاعل في نقاء البيئة بامتصاصها
لغاز ثاني أُكسيد الكربُون، الذي يعتقدُ العُلماءُ أنه سببُ التغير المُناخي
والاحتباس الحراري، كما تمتص الغازات الضارة الأُخرى، والتي تنبعثُ من السيارات
والعمليات الصناعية، وتُسهم أيضًا في خفض التلوث الضوضائي الناتج عن ازدحام المُرُور
والآلات الأُخرى.
جذع شجرة السمر الواحدة بأفرُعها وأوراقها تدعم 86
من الثديات الموجُودة في عُمان، والتي تتغذى على أوراقها وثمارها أو تستخدمها
كمأوى آمن يقيها من الحيوانات المُفترسة الأُخرى أو كملجأ يحجب عنها حرارة الشمس.
هُناك أيضًا 18 نوعًا من الطيُور التي تستخدم هذه
الشجرة لبناء أعشاشها أو الراحة فوق أغصانها. وهُناك 9 أنواع من الزواحف تستخدمها
سواءً للقنص أو الاستراحة. وهُناك مئات من الحشرات التي تتغذى وتتربى على أفرُعها
أو تسكُن وسط هذه الأفرُع، بالإضافة إلى العديد من الكائنات الدقيقة التي تعيشُ في
جُذُورها وجذعها وأغصانها.
تستطيع هذه الشجرة امتصاص مقدار من حرارة الشمس؛ مما
يُساعد على نُمو النباتات الصغيرة حولها والاحتفاظ بالرطُوبة. ومن أسرار هذه
الشجرة بأن أوراقها الصغيرة قد حباها اللهُ بقُدرتها على الاستدارة من الوضع
الأفقي حيث تمتص ضوء الشمس.
ونتيجة لفضلات الحيوانات التي تلجأ إلى هذه
الشجرة، ولوُجُود المواد العُضوية للكائنات التي تعيش تحتها وعلى أغصانها، والتي
تصل إلى مائة نوع من الكائنات الدقيقة فهي تتحول إلى مخصب غني للتربة، يُساعد على
تكاثُر هذه الشجرة وغيرها من النباتات.
وهُناك كائناتٌ دقيقة مُتخصصة تعيشُ حول الجُذُور
تعمل على تثبت النيترُوجين من الهواء إلى أجزاء التربة؛ مما يجعلها أكثر خُصُوبة،
خاصة بعد تحلل أوراق الشجرة المُتساقطة على الأرض.
شجرة السمر أيضًا من الأشجار التي يتغذى عليها
النحل لإنتاج أجود أنواع العسل في العالم، وفي نفس الوقت الحشرات التي تنمُو في
أغصانها هي وسيلة لنقل اللقاح بين الأشجار، مما يُؤدي إلى تكاثُر هذه الشجرة.
هذا ما تلعبه أيضًا شجرة السدر، وكذلك شجرة الغاف
المُعمرة في عُمان، والتي يصل عُمر بعض الأشجار منها إلى أكثر من مائتي عام، وتُعد
من الأشجار المُقاومة للحرارة والجفاف والمُلُوحة، وهي ذات موطن أصلي في عُمان،
وتغنى بها شُعراء العرب، ولها فوائدُ بيئية وطبية، وتلعب دورًا كبيرًا في
المُحافظة على المياه، ونُمو وتكاثُر الحياة الفطرية، وتُسهم في تثبيت الرمال والتُربة،
وتحقيق التنوع والتكامُل البيئي فيها.
فعملية الاهتمام بمثل هذه الأشجار، والإكثار منها
في بيئتها الطبيعية، أصبح مطلبًا مُلحا يجب التخطيطُ له بجدية. وتبني فكرة زراعتها
كأشجار زينة في الشوارع والأماكن المفتُوحة، سيدعم عملية الإبقاء على هذه السلالة
النادرة من الأشجار؛ فهي أشجارٌ غير مُكلفة ولا تستهلك مياهًا كثيرة، مُقارنةً بالأشجار
التي نراها بالشوارع العامة.
الدراسات والواقع الذي نُشاهدُه يُؤكدان أن هُناك
خطرًا مُحدقًا بتناقُص هذه الأشجار من البيئة العُمانية، ومن المُهم جدا التبصر
لهذا الجانب، وذلك من مبدأ المُحافظة على التوازُن الطبيعي في الموائل الطبيعية.
والله يُوفق الجميع لما فيه الخير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.