الخميس، 1 أكتوبر 2015

إيهٍ يا زمن الذكريات...،

في سبعينيَّات القرن الماضي، كان هُناك حِرَاك شبابي في مجال المسرح، تجد ذلك الاهتمام في الحواري والقرى؛ حيث يلتفُّ الشباب لتأليف تمثيليات تُحَاكي واقعهم المعاش، يُؤدونها بطريقة تقليدية بهدف التسلية والتعبير عن الذات، ونقد بعض السلوكيات السلبية، هي بسيطةٌ وأكثرها ارتجالية، إلا أنَّها كانت مُبادرات فاعلة لتشكيل نواة للمسرح.
تطوَّرت الفكرة مع انتشار التعليم؛ فكانت المسرحيات المدرسية، والمناهج المُمَسْرَحة، لا سيما في حِصص اللغة العربية، كان بعض المعلمين يشرحُون دُروسهم بطريقة تمثيلية، ويُشركون الطلاب في ذلك، وهي في حقيقتها أكثر وقعًا وفهمًا في نفوسنا.
كان هُناك المسرح المدرسي، فمَا مِن مدرسة إلا وبها مسرح، وإذا لم يتوفر يصنع الطلاب المسرح بجَهْدِهم الذاتي؛ حيث يجمعون طاولات الفصول، وتُصفُّ بجوار بعضها في شكل منصَّة للمسرح، وتغطَّى بقماش من الجوانب، وتحدَّد فيها مداخل للكواليس.
كَان هُناك احتفالٌ خاصٌّ بمناسبة العيد الوطني في كل عام؛ حيث كان يُخصَّص يوم للطلاب لحفلهم المسرحي، ويوم آخر أيضًا لشباب النادي، المسرحيات المقدَّمة جادة في مادتها وطريقة تقديمها أو تمثيلها، لا سيما الوطنية منها، ولكن للكوميديا الراقية وُجُود أيضا، الكثير من المسرحيات تُعَالِج وتناقِش الواقعَ المعاش، وتقدِّم رُؤًى رائعة في مجال التوعية الاجتماعية.
قبل وُجُود مبنى النادي القديم في الساحل، كانت المسرحيات تُقدَّم في مسرحٍ أمام الحصن، أو أمام بيت الجديدة القديم. كان المسرح يُبنى في وقتٍ قياسيٍّ من المواد غير الثابتة؛ وذلك بجُهُود ذاتية، الكلُّ يُسهم بروح تملؤها المحبَّة والتعاوُن، تجد هذا يتبرع ببليود أو دعون، وذاك بمربع أو جذوع، وذاك بقماش، وذاك بستارة، وذاك بتوصيلات الصوت، وذاك في التأليف، وذاك في التمثيل، وذاك في الإخراج، وذاك من يتبرع بفتح الستارة وإغلاق الستارة، كانوا ينامون في المسرح طوال أيام العرض دُون أي مُقابل مادي، والمسرح يتمُّ تزيينه بالديكور من صُنع الشباب أنفسهم، وبالمواد المحلية، وشكلها تُمثل الواقع.
يتمُّ الإعلان عن مواعيد الاحتفالات بطريقتين: إما بطباعة أوراق يُحدَّد فيها مواعيد الاحتفالات ومكان إقامتها، وأتذكَّر جيدًا كُنت أطبع ما يُسمى بـ"الإستنسل"، وهي أوراق حريرية تطبع على آلة كاتبة تقليدية، وذلك قبل وُصُول الكهرباء والآلات الحديثة؛ ذلك الإستنسل يُوضَع على آلة أخرى ليتم نسخ الأوراق المقروءة، وتوزع على السكان لتعريفهم بمواعيد الاحتفالات.
هُناك أيضًا طريقة الإعلان المتنقل، باستخدام السيارة والتجول بها في الشوارع والأزقة والحارات، ويتولى أحد الركاب قراءة الإعلان بصوت مرتفع، وهُناك أيضًا طريقة النهمة في سوق الوُلاية.. كان هُناك تجاوبٌ كبيرٌ لحضور تلك الاحتفالات.
كَان طُلاب المدارس هم أكثر اهتمامًا بتقديم نُصُوص مسرحية باللغة الفصحى، عكس النادي؛ فمسرحياتهم لها تركيز على العامية؛ لأنها تُخَاطِب العامة عادةً، وكذلك الفئة المُثقفة بمقياس ذلك الزمان. المسرحيات تؤلَّف بطريقة ارتجالية، والكثير من الممثلين يرتجلون أثناء تأدية المشاهد.
عِنْدَما أتذكَّر تلك المشاهد، أقول: "كانوا فعلا مُبدعين ومجيدين في ضوء تلك الإمكانات البسيطة، شخصيَّات مرَّت ومرَّت، بعضهم غادرنا وبعضهم ترك المجال، وبعضهم شغلته الحياة والدنيا.. إيهٍ يا زَمَن الذكريات.
(الصورة لعمل مَسْرحي مُشترك بين شباب قُريات ومسرح الشباب في تسعينيات القرن الماضي)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.