مَسْألة رفع الدعم الذي تُقدمه الدولة لبعض السلع
والخدمات، وتأثير ذلك على الشرائح الاجتماعية الأقل دخلا، أصبح حديثَ الساعة، وهو بلا
شك أمرٌ مهمٌّ من الناحية الاقتصادية والتنموية، وكذلك فيما يتعلق بالبنية الاجتماعية
والنفسية والسلوكية لدى الأفراد والمُؤسسات.
جميعُنَا نتَّفِق على أنَّ مسألة تذبذب أسعار
النفط أصبح يُشكل اليوم أزمة حقيقية على برامج ومشاريع التنمية في الكثير من دُول
العالم، خاصة في ظلِّ الأسعار الحالية؛ كون إيرادات النفط هي المصدر الرئيس لتمويل
تلك المشاريع والبرامج في تلك الدول، والتوقعات تُشير إلى أنَّ هذا الانخفاض
سيستمر.
وهي دورة اقتصادية ضمن الاقتصاد الكلي لأي اقتصاد
في العالم، وتُعتبر السياسة العالمية ومصالح بعض الدول وتوجهاتها هي المُحرك
للاقتصاد العالمي، وحتى وإنْ كان ذلك له تأثير سلبي في اقتصاديات الدول النامية؛ فالمهم
لديها أن تكُون أحد الأقطاب العالمية المؤثرة في مقدرات الشعُوب وتطورها.
لَقَد غابتْ في هذا الزمان مسألة التكامل
والتعاوُن الدولي القائم على اقتصاد عالمي مُتماسك؛ فأصبحت المصلحة الآنية هي المُحرك
لسياسات الدول، بما فيها المُؤسسات الدولية التي تحركها أجندات سياسية ودولية
محددة.
هُناك تخوُّف لدى البعض من تأثير توجهات الدولة في
رفع الدعم الحُكُومي على محدُودي الدخل، رغم أنه في حقيقته هو مُوجَّه إليهم وفي
صالحهم، وهذه مسألة لها أهمية كبيرة: اجتماعيًّا، واقتصاديًّا، وبيئيًّا.
ويَعُود هذا القلق إلى غِياب الوعي العام عن ماهية
هذا الدعم، وتقدير قيمته المادية والمعنوية والاقتصادية والاجتماعية؛ لأننا تعوَّدنا
على سلوك تسويقي وشرائي يعتمد على أسعار ثابتة ومُحدَّدة مُنذ عقود مُتعاقبة، خاصة
فيما يتعلق بدعم أسعار الطاقة ومشتقاتها.
التعليم والإعلام يتحمَّلان جزءا من تغييب هذا
الوعي طوال السنوات الماضية، كذلك هو القطاع الخاص أيضًا عليه مسؤُولية كبيرة في
ذلك؛ فمنذ بداية النهضة المُباركة وهو غارق في الاستفادة من هذا الدعم الحُكُومي،
دُون أن تكُون له مُبادرات تؤدي للحد أو التقليل من هذا الدعم، بل نجده يسعى دوما للحُصُول
على المزيد من التسهيلات من باب التشجيع والتحفيز.
نحُن في عُمان في حَاجة ماسَّة لإعادة هيكلة الدعم
الحُكُومي؛ وذلك بصُورة تدريجية، وبما لا يؤثر على حياة المُواطن؛ فمسألة تغيير
سياسة الدعم هي مسألة شائكة تحتاج دراسة مستفيضة من كافة الجوانب، والتدرُّج في
تطبيق ذلك سيُؤدي حتما إلى نتائج إيجابية، خاصة إذا صاحب ذلك جُهُود تسويقية لهكذا
قرارات وتوجهات.
مِنَ المؤكد أنَّ تنظيم مسألة الدعم الحُكُومي على
بعض السلع والخدمات، هو في صالح المُواطن والاقتصاد الكلي للدولة؛ فمن خلاله يُمكن
توفير احتياطات نقدية كبيرة، يُمكن تسخيرها لبرامج ومشاريع التنمية الإنسانية
بمُختلف توجهاتها: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.
كَمَا أنَّ إعادة هندسة وهيكلة هذا الدعم في حقيقتها
تحقيق لعدالة توزيع الدخل، ويعمل على توجيه ذلك الدعم لمُستحقيه، وله أيضًا أبعاد:
اجتماعية، وتربوية، وسلوكية, وثقافة دينية، وبيئية، خاصة فيما يتعلق بتقدير قيمة
النعمة والعمل على تحقيق مبدأ المُحافظة على ديمومتها واستدامتها.
وهَذَا الأمر أيضًا مَدْعَاة لتكاتف الجُهُود بين
شركاء وصناع التنمية، والاعتماد على تطوير وتنويع مصادر الدخل، وعدم الاعتماد على
سلعة ناضبة، والتشجيع على تشكيل نواة لاقتصاد يقُوم على المعرفة والسياحة والخدمات
والاستثمار في رأس المال المُجتمعي؛ وذلك إطار الخصوصية العُمانية، وتكاملًا مع
محيطنا الإقليمي والجُغرافي والدولي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.