الوَاقِع الاقتصادي العالمي يمرُّ بمرحلة دقيقة جدًّا
خلال المرحلة الراهنة والمُستقبلية، في ظلِّ تهاوي أسعار النفط، ولا شك أن السلطنة
من الدول التي ستتأثر بهكذا ظرُوف، كغيرها من الدول في محيطنا الجُغرافي، وتُحتم
هذه الظرُوف أن تكُون هُناك مُبادرات متعمقة وواعية في مجال ترشيد الإنفاق، وإيجاد
بدائل جديدة لمصادر الدخل، مع أهمية إعادة النظر في جدولة البرامج والمشاريع
المعتمدة في ضوء المُستجدات الحالية والمُستقبلية.
الخُطوات التي قامتْ بها السلطنة في إصدار صكوك
سيادية وسندات حُكُومية، خلال الفترة الماضية؛ لتغطية العجز في الموازنة العامة
للدولة، تعدُّ خطوة رائدة في صالح مُستقبل واستقرار الاقتصاد الوطني، وضمانا حقيقيا
لتمويل مشاريع التنمية، بدلًا من اللجوء إلى الاقتراض الخارجي أو الاعتماد على
المُؤسسات المالية العالمية، والتي غالبًا ما يكون لها شروط وتوجُّهات في كثير
منها، لا تخدم الاقتصاد في ظل الظرُوف الحالية.
طَرْح السندات الحُكُومية داخليًّا هو وسيلة مُهمة
أيضًا لامتصاص السيولة النقدية، وأداة استثمارية فاعلة وجاذبة لرأس المال الوطني،
خاصة بالنسبة للمُؤسسات المالية المحلية في السلطنة، وفي جانبها الاجتماعي هي وقفة
محمُودة وتكامُل مُهم لتعزيز التعاوُن بين كافة شركاء التنمية في السلطنة، خاصة من
قبل المُؤسسات المصرفية وصناديق الاستثمار وشركات الأموال.
هُناك أيضًا وَسَائل أخرى يُمكن أن تُعزِّز من دور
الدولة في مواجهة التحديات الراهنة للاقتصاد العُماني من المُهم التنبه إليها؛
والتي من بينها: رفع الدعم عن الوقود، وإذا نظرنا إلى هذا الأمر بواقعية نجد أنَّ
هذا الدعم يتجه نسبة كبيرة منه إما إلى كبريات الشركات العاملة، أو لعدد كبير من
الوافدين المُقيمين في السلطنة، أو للمقتدرين وأصحاب الدُّخُول العالية، وهُناك
الكثير من هذا الوقود يتم تهريبه أيضا، وهذا ما تؤكده الكثير من الوقائع التي
نشرتها وسائل الإعلام والجهات المُختصة في السلطنة.
دَعْم الوقود يُكلف موازنة الدولة المليارات، ويذهب
الكثير منه إلى غير مُستحقيه؛ الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في هذا الدعم بما يتوافق
مع تحقيق العدالة الاجتماعية لمُستحقيه الحقيقيين، وأعتقد أنَّ الوسيلة الأنسب
لمُعالجة هذا الأمر: تطوير خدمات النقل العام بشتى أشكاله ووسائله.
مِنَ الأمور المُهمة أيضًا -والتي يجب العناية بها-
وتعدُّ وسيلة مؤثرة في تعزيز مُشاركة المُواطن في خدمة المُجتمع: مسألة الزكاة؛ فإذا
ما تمَّ تنظيمُها وتسخيرها بطريقة صحيحة تتناسب مع مُتطلبات وظرُوف العصر، ووفق ما
تقتضيه الشريعة الإسلامية، فإنها ستُسهم بشكل إيجابي في ثراء وإنعاش الاقتصاد
وتحقيق الأمن الاجتماعي.
لقد حَان الوقت أنْ يكُون للمواطن شراكة أكثر
فاعلية، وعلى أجهزة الدولة المُختلفة أن تَطرح كافة المسائل المتعلقة بظرُوف
الاقتصاد بشفافية تامة، وأنْ تعمل على خلق أوجه استثمارية جديدة، وهُناك من
الخيرات والثروات والبدائل الكثيرة لتعزيز هذا الجانب، والسلطنة لديها خبرة
تراكمية للتعامل مع هكذا ظرُوف؛ لأنَّ متانة واستقرار الاقتصاد هو العمق الحقيقي
لمُستقبل الأجيال القادمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.