الثلاثاء، 26 أبريل 2016

الصناصرة

المُتمعِّن في أسلوب حياة الإنسان القديم، والتي يُمكن استنتاجها وقراءتها من الرسومات والكتابات الصخرية المنتشرة لدينا في عُمان ومُختلف دُول العالم، يجد إشارات مُهمة ودلالات عظيمة على أهمية عناصر ومُكونات البيئة الطبيعية.
لهذا؛ فقد سادت مقولة مُهمة: إن البيئة الطبيعية تُشكل دوما روح الحياة؛ فمن خلالها تتوازن وتستقر مُجريات الحياة، ويتحقَّق الأمن والاستقرار والسعادة للإنسان، ومتى ما وجد أي خلل في تلك المنظُومة فستكون العاقبة وخيمة على هذا الكون.
تعيشُ في بيئتنا الطبيعية الكثيرُ من الطيور الجميلة؛ من بين تلك الطيور طائر صغير يُسمَّى الصنصور أو العصفور المنزلي (طائر الدوري)، وله أنواع وألوان تسر الناظر.
هذا العصفور الصغير والضعيف يُمثل مدرسة كبيرة في تعليم أهمية النشاط والحركة، وعدم التواكل في طلب الرزق، وله تطبيقات عملية فيما يتعلَّق بالعمل الجماعي والتبكير في البحث عن الرزق، وكذلك فيما يتعلق بتنظيم الوقت والتعاوُن الجمعي.
فهو في ساعات مُحدَّدة يوميًّا ينطلق مبكرًا لطلب الرزق، يبدأها بزقزقات وتغريدات جماعية مع طلوع الفجر، لتنطلق بعدها جماعات منه نحو وجهات مُختلفة، وما إن يأتي المساء وإذا بتلك الطيور تعود لشجرتها المحددة ومسكنها الليلي، تتبادل تغريدات جميلة، لها موسيقى تأملية إلى أن يسكن الليل فتسكُن مع هدوء المساء.
هذه الطيور لها منافع حيوية عظيمة في القضاء على الكثير من الحشرات الضارة بما فيها الجراد، وهي أيضًا لها بعض المضار على مزارع الحبوب، إلا أنَّ نفعها يفوق مضرتها بكثير.
قرأتُ، مُؤخرا، قصَّة لطيفة، تقول: في أواخر الخمسينيات وبداية ستينيات القرن الماضي، قرَّر أحد زعماء الصين قتل جميع أنواع طيور الدوري؛ بسبب شكوى متكررة من أصحاب الحقول من ضررها على الإنتاج الزراعي، وخصَّص لذلك جوائز ومكافآت، وتطبيقًا لذلك الأمر، تهافت المزارعون على قتل هذا الطائر الجميل حتى كاد أن ينقرض.
فرح عندها المزارعون بهذا النصر الكبير على هذا الطائر الجميل، ومرَّت الأيام وإذا بالجراد يزحف على جميع الحقول، ويفتك بجميع الأشجار والمزروعات، وخسر المزارعون زَرْعَهم، وكادوا أن يهلكوا بسبب مجاعة حلت بأرضهم.
ويقال: إن تلك المجاعة تسبَّبت بوفاة 15 مليون من البشر، وملايين من الحيوانات والكائنات الأخرى. درس العُلماء هذه الظاهرة، وما حل ببلدهم من مجاعة عظيمة، فوجدوا أنَّ سببها هو قتل وفقدان تلك الطيور الجميلة؛ فهي كانت العدو اللدود للجراد.
العِبرة من تلك القصة أنَّه متى ما تدخَّل الإنسان في أي عنصر من عناصر هذه البيئة، بصُورة سلبية، أو أحدث خللًا ما في هذه المنظُومة الطبيعة بطريقة مُباشرة أو غير مُباشرة، فإنَّ العاقبة ستكون وخيمة عليه، وعلى حياته وراحته وصحته، وكذلك على تكاثر الكائنات الحية الأخرى في محيطها الحيوي بصُورة طبيعية على هذا الكوكب، الذي خُلِق ليستوعب الجميع، في ظل توازن بيئي وبيولوجي، يشمل كافة الكائنات الحية، ويقوم على التنوع والتكامل البيئي في الأرض.
وتلك حكمةٌ أرادها الله سبحانه وتعالى، فما مِن مخلوق أو دابة على الأرض إلا لها مهام في دورة الحياة، وكل كائن من هذه الكائنات الحية تعتمدُ على الآخر في معيشتها وطريقة تكيفها مع البيئة، وأن لا يطغى أي جزء منها على الآخر.
لهذا؛ فمن المُهم جدا أن يُسهم الإنسان في الحفاظ على هذا التوازن في البيئة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.