من الذاكرة الشخصية التي تعُود إلى بداية
الثمانينيات من القرن الماضي، والتي هي أيضًا بداية فترة عملي في مكتب الوالي، كُنَّا
في كثير من الأحيان نرافق الولاة والقضاة للنظر في بعض الدعاوى التي يتطلب الوقوف
عليها على الطبيعة.
كانتْ هُناك شجرة زامة في بلدة الغبيرة بالمزارع،
كانت شجرة عظيمة يزيد عمرها على الثلاثمائة عام، كان الوالي والقاضي يفترشان الأرض
في ظلها لسماع أطراف الدعوى، وكنا نحن نكتب ما يقال، لكي يُنْهَى المقال، بصلح أو
حكم يُنفَّذ في الحال.
كانتْ تلك الشجرة المُعمِّرة ذاكرة للمكان
والإنسان، ولكثير من الأحداث على مر الزمان. ومن باب الإحسان لتلك الشجرة التي لها
فضل إنساني كبير، قرَّرتُ اليوم زيارتها.
وصلتُ المكان، وبحثتُ عنها، لم أجدها، فقلت في
نفسي: لعلك أخطأت المكان وضعفت الذاكرة، عندها سألتُ المارين عنها، وكلٌّ بجواب،
وصُدفةً التقاني أحد كبار السن، الذي تربطني به صداقة ومعرفة من تلك الأيام.
عاتَبَنِي عن قلة الاتصال والزيارة، فبادرته
بالسؤال عن الزامة، رأيتُ وجهه عليه الحزن، فكان الرد: بأنَّ الزامة قد كسرتها
الرياح وجرفتها المياه، وفجأة تغيَّرت ملامح وجهه، مبديا الفرح والسعادة، قائلا:
لقد غرسنا مكانها زامة جديدة، وهي تشق طريقها نحو السماء، متفرعة بأغصانها لتعيد
تاريخ تلك الشجرة المجيد.
عندها أحسستُ بشعور جعلني مُطمئنا على أن تلك
الشجرة بتاريخها، وما شهدته من ذاكرة وأحداث سيتواصل في ظل هذا الوعي الإنساني
بأهمية قيم الإحسان حتى إلى الجماد والشجر.
بَعْدَها، ختمتُ جَوْلتي الزمنية بزيارة لسد وادي
ضيقة؛ فهو أيضًا معه قصة وذكرى، المياه على مد البصر، في مسار ملتوٍ بين الصخور
والجبال، مشهد طبيعي يبعث في النفس السكينة والهدوء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.