لم تَعرِف عُمان التخطيط الإستراتيجي بطريقته العصرية
إلا في هذا العهد المُبارك؛ فكلُّ ما تحقق لها من إنجازات عظيمة ضمن مسيرة التنمية
الإنسانية في عُمان على مدار السنوات الماضية، هو نتيجة جهد عظيم لقائد هذه البلاد
المُباركة، ورؤية حكيمة ورسالة سامية، صِيْغت أهدافها بعناية فائقة، ضِمن مُرتكزات
ثابِتة أساسُها بناء الإنسان وتنميته؛ حيث تستمدُّ تلك التوجهات التنموية وتستند
في انطلاقتها ومسيرتها إلى حضارة مُمتدة في عمق التاريخ.
مُنذ فترة، استنفرت كافة الجُهُود لصياغة رؤية
عُمان 2040، ضمن مسيرتها التنموية، والتي هِي بمثابة منهج وأساس، تتفرَّع منه كافة
الخُطط الخمسية والبرامج التنموية للبلاد، على مسار طويل من السنوات حتى العام
2040م، أخذتْ في اعتبارها مُراجعة شاملة للوضع الراهن؛ بهدف استقراء المُستقبل
وصناعته.
فالتخطيط بطريقة صحيحة ضرُورة مُلحَّة، ويُشكل
اليوم من أهم مُرتكزات الدولة العصرية؛ فغيابه لا يُولد إلا التعثر والفشل؛ فلا
مجال في هذا العصر للعفوية والارتجال، إذا ما أردْنَا نبني مُستقبلا مشرقا للوطن،
ونخلق ميزة تنافسية لمُقومات البلاد الاقتصادية عالميًّا، ونحافظ على تراثنا
الثقافي وتنميته.
في ديسمبر الماضي، تابعتُ ملتقى استشراف
المُستقبل، الذي نظمته اللجنة المشرفة على صياغة إستراتيجية التنمية -رؤية عُمان
2040م- والذي شَارك فيه كافة أطياف المُجتمع وشركاء التنمية الإنسانية -حُكُومة،
قطاعا خاصا، مُؤسسات مُجتمع مدني، طلاب مدارس وكُليات وجامعات، شباب وفتيات، كافة
شرائح المُجتمع بأعمار مُختلفة- وقد استوقفني باعتزاز تلك اللحمة الوطنية، التي
أبداها المشاركون من أجل مُستقبل عُمان.
فتاة في عُمر الزهور تُخَاطِب المُجتمعين بجُرأة،
وبحضور كبار المسؤولين بالدولة: "رؤية عُمان 2040" تهمنا نحن أكثر منكم؛
لأننا نحن نعيش ونشهد مراحل وأيام هذه الرؤية، فهي مُستقبلنا، يجب أن نصيغه
برؤيتنا وطموحنا، فيجب أنْ نشترك في صناعته كما نراه نحن الشباب.
فهِمَّة تلك الفتاة وأقرانها من عمرها هو
المُستقبل؛ لهذا فقد وفقت اللجنة الرئيسية لرؤية عُمان 2040 أيُّما توفيق في هذا التوجه
الحضاري في صياغة الإستراتيجية المُستقبلية للتنمية في السلطنة، بإشراك كافة فئات
المُجتمع؛ فهي أخذتْ بقاعدة مُهمة في التخطيط العصري، وهي: ضرُورة أن يبدأ التخطيط
من القاعدة؛ لأنَّ ذلك مدعاة لتعزيز الدعم المُجتمعي لكافة برامج التنمية، وتحمل
المسؤُولية مع الحُكُومة في تحقيق كافة النتائج؛ لأنه أُشْرِك في صياغة مُستقبله
وصناعته.
"مُلتَقَى استشراف المُستقبل" سيطُوف
كافة مُحافظات السلطنة حسب ما اطَّلعت؛ فكانت اليوم البداية في مُحافظة البريمي،
والذي تابَع فعالياته، وجُهُود المشاركين فيه في استقراء احتياجاتهم وتطلعاتهم،
وحماسهم الكبير في المُشاركة لصياغة وصناعة مُستقبلهم، يَخْرُج بقيمة جميلة، تتجلى
في أهمية وضرُورة تضافُر وتكامل كافة الجُهُود من أجل خدمة عُمان ومُستقبلها
المشرق؛ فالكلُّ كان يُبدي بحُرية تامة كل ما فِي فكره من آراء وطمُوحات وتطلعات،
وكيف يُرِيد أن يرى بلاده أن تكُون في عام 2040م.
لا شَكَّ أن التحديات كبيرة، والتطلعات كبيرة
أيضا، إلا أنَّ هذا التلاحم المُجتمعي الذي نشهده اليوم، يُذكِّرنا بجيل الآباء
والأجداد، الذين التفوا حول قائدهم مُنذ العام 1970م، ليُؤسِّسوا مجدَ عُمان
ودولتهم العصرية بعزيمة وصبر ومُثابرة، فكانتْ البدايات صَعبة وقاسِية وشاقة؛ فكانت
النتائج أيضًا مبهرة، وها نحن نَنْعَم بخيرات مُنجزاتهم المشرقة؛ فجاء الدور اليوم
لهذا الجيل -جيل اقتصاد المعرفة والابتكار- لكي يُشمِّر عن سواعده ليواصل مسيرة
التنمية المُستدامة باقتدار؛ فعُمان المُستقبل ليست كالأمس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.