رواية "الباغ" للكاتبة العُمانية بشرى
خلفان، من الروايات التي إذا قرأتها تجعَلك مُندَمِجا في واقعك، وتراثك: المكاني
واللفظي، ومن بدايتها إلى نهايتها هي آسرة وشائقة لجمال وعُمق حبكَتِها القصصيَّة
والدراميَّة.
فهي تحمل في الكثير من أحداثها الطابعَ التاريخي،
بجانب تكامل عناصر وتقنيات الكتابة المعروفة في مجال القص والرواية، وفيها لمسات
إبداعية وإنسانية، تتجلَّى فيها روح التاريخ والبيئة وثقافة المكان والخيال الواسع،
وهذا دَيْدَن الأدب والكتابة والثقافة بتجلِّياتها المُختلفة، عليها أن تصنع فكرًا
وتأثيرًا في القلوب والوجدان والمشاعر، فكَمَا يُقَال: الكاتب ابن بيئته ومُجتمعه.
عُنوان الرواية "الباغ" من الألفاظ
القديمة في اللهجة الدارجة العُمانية بعدد من مدن عُمان، وهي أكثر تداولا في مسقط
القديمة، وكذلك في مدينة قُريات؛ فهُناك بيوتٌ قديمة تُسمى بيت الباغ في مسقط، وفي
السواقم بقُريات؛ كونها تقع وسط حدائق غناء، والباغ في حقيقته كلمة عربية من أصل
فارسي، ويعني الحديقة المزهرة، تتجسَّد فيها عناصر الحياة من سماء وأرض ومياه
ونبات.
لم تَعُد كلمة "الباغ" في هذا الزمان مُتداولة
بكثرة إلا مع كبار السن؛ فتكاد تكُون من الألفاظ الميتة لدى الجيل الجديد، وقد وُفِّقت
الكاتبة في التذكير بهذه المفردة الجميلة من تُراثنا القديم، بل تَجِد الكثير من
المفردات القديمة بارزة بقوَّة ضمن سياق أحداث هذه الرواية الممتعة.
هُناك الكثيرُ من النقاد كَتبوا عن هذه الرواية
وجمالها: تقنيًّا وفنيًّا، ولكن استوقفتنِي كثيرًا لغتها الجاذبة، المتعمِّقة في
جذور اللهجة الدارجة القديمة، وعادات وثقافة المُجتمع وبيئته المحلية؛ فكانت
الأحداث تنتقلُ من مشهد إلى آخر بسلاسة مُمتعة، وبلغة سهلة وواضحة لا لبس فيها ولا
غُموض، والمُتمعِّن في خُيوط السَّرد الروائي لهذه الرواية، يجد أنها جمعتْ بين
واقع وصدق الأحداث بالخيال الأدبي الرصين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.