فَلَج حِيل الغَاف
الحَالِي تَمَّ تَأسِيسُه فِي عَهْد السيِّد سَعِيد بِنْ سُلطَان البُوسعِيدي -رَحِمَه
الله- عَلَى يَدِ السيِّد خَلفَان بِن مُحمَّد البُوسعِيدي، وهُوَ مِنَ الأفلاجِ العَجِيبَة
فِي هَندَستِه وتَصمِيم سَاقِيتِه؛ حَيثُ تَمتدُّ فِي مَسَار وادِي ضِيقَة العَظِيم،
ومِن خُطُورَة هَذا الوَادِي وعُمقِه يُطْلِق عَليهِ بَعضُ الأوروبيِّين حِقدًا «هُوَّة
الشَّيطَان»، لأنَّه كَان عَصِيًّا عَليهِم فِي تَقصِّي أسْرَارَه.
تَكثُر الفُرض أو الوَقب
عَلَى مَسَار هَذا الفَلَج، وكَذلِك نِظَام السَّحارات المَائيَّة (غرَاق وفلَاح)،
وهِي تِقنِيَات هَندسيَّة قَديمَة جِدًّا، اخترَعَها وابتَكرَها العُمانيِّون لتَفَادِي
مُنحدَرَات ومُنخَفضَات الأَودِيَة، ولوَزْن اندِفَاع المِيَاه فِي سَاقِية الفَلَج
بقوَّة الجَاذِبيَّة.
سَيف بِن خَلفَان العذَّاري..
أَحَد الشَّخصِيَّات المَعرُوفة فِي خِدمَة الأفلَاج، وفِي أَحَد الأيَّام طُلِب مِنهُ
تَنظِيف وَقب أو فَرض الفَلج؛ لخِبرَتِه ومَعرِفتِه بمَسَار الفَلَج فِي عُمق الوَادي
تَحْت الأَرض؛ فجَمَع عُدَّته المَعرُوفة، وهِي قَفر ومَساحِي وهِيب وخنَازِر، أَدَوات
يَدويَّة بَسيطَة، ولَكِن إِرادَة الرِّجال هِي التي تَعمَل وتُبدِع.
انطَلَق سَيف بن خَلفان
العذَّاري مَع رَفَاقِه مَع إشرَاقَة الفَجر، فعَبَروا مَسَار الفَلَج، فبَدأوا عَملَهم
بهِمَّة ونَشاط، عَلى الرَّغم مِن تَعَب ونَصَب تكبَّدُوه، ومع الظَّهِيرة أَنهُوا
تَنظِيف الوَقب المُتَّفَق عَلى تَنظِيفِها، وإِزالَة مَا عَلق فِيهَا مِن رِمَال وأَترِبة
وحَصى، تَنفَّسُوا جَميعًا الصُّعدَاء بفَرحَةٍ غَامِرة؛ لأنَّهم أدُّوا وَاجبَهم ومُهمَّتهم
بإِخلَاص وإتقَان، فقرَّروا العَودَة إلى مَنَازلِهم لِلقَاء الأحبَّة.
وَفِي طَرِيق العَودَة
التَقَاهُم مُشرِف الفَلَج، فأَبدَى مُلاحَظَاته عَلى عَملِهم، مُطالبًا عَودَتهم إلى
العَمَل مِن جَدِيد لتَنظِيف آخِر وَقبَة فِي مَسَار الفَلج، فَلبَّى الجَميعُ ذَلِكَ
الطَّلَب؛ لأنَّ جَوْدَة العَمَل هَدفُهم وغَايتُهم فِي الحَيَاة.
قرَّر سَيف بِن خَلفَان
العذَّاري هَذِه المَرَّة أنْ يتَولَّى هُو شَخصيًّا هَذِه المُهمَّة لخِبرَتِه، وليَتأكَّد
مِن جَودَة العَمَل الذِي قَام بِه العُمَّال قَبل ذَلِك؛ فَقَام بالوَاجِب، فكَان
عَلي بِنْ سَعِيد البُوصَافي -رَحِمَه الله- عَلى فُوَّهة فَرضَة الفَلَج؛ ليتولَّى
تَنزِيل ورَفْع قَفر التَّنظِيف إلى حَيثُ يَتَواجَد سَيف فِي بَاطِن الأَرْض.
تَوَاصَل العَملُ بهِمَّة
مِن جَدِيد، تَلبيةً لمَطلَب مُشرِف الفَلج، وبَينمَا سَيف مُنهَمكًا فِي عَملِه بحُبٍّ
ووَلَاء، وإِذَا بالفَرضَة تَنهَار عَليهِ وهُو فِي بَاطِنهَا، حَاوَل أَصحَابُه تَفَادِي
المَوقِف، ولَكِن الأَقدَار أقْوَى مِن حِيلتِهم؛ حَيثُ لَم تَكُن تِلكَ المُعِدَّات
السَّريعة مُتوفِّرَة للوُصُول إلى سَيْف فِي عُمقِ تِلكَ الفرضَة، فطَال الحَفرُ بأدَواتِهم
البَسيطَة، إِلَّا أنَّ الوُصُول إليهِ قَد أخذَ مِنهُم وَقتًا طَويلًا، ليَجِدوا سَيْف
نَائمًا بابتِسَامةٍ عَريضَة، وهُو يَحتَضِن مَاء الفَلج، ورُوحُه قَد صَعَدت إلى السَّماء.
وتَخلِيدًا لذِكرَاه
عُرِفَت تِلك الفَرضَة باسْمِه (فَرضَة سَيف بِنْ خَلفَان) إلى اليَوْم، وكَأنَّ اسمَه
سَحَابة بَيْضَاء مُمطِرة دَومًا، تُخصِّب الفَلَج كُلَّما تَعرَّض للمحَل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.