بُرُودة الشتاء أيام زمان كانتْ أكثر قَسْوة
وبرودة، إلا أنَّ البيوت الطينية كانتْ أكثر دِفئا وحميمية، خاصَّة وسط تلك الحلقة
الأسرية الملتفة حول الكانون والصيردان -دفَّاية أيام زمان- أو أمام الموقد المحمر
بجمر السمر، وعليه بريق الشاي يغلي ودلة القهوة تفوح، والسالفة تدور، والجدة تقص
حكايات أيام زمان، ومُنجزات الجدات والأجداد.
تَجِد كلَّ فرد مادًّا يديه فوق سواهيب الجمر، وما
إن يشعر بحرارة الجمر يفركها، ويمسح بها وجهه ليشعر بلذة التدفئة الطبيعية. وتنظُر
أعلى الجدار ترى الدخان يَرْسم لوحة جميلة في تتابُع ليعبر إلى الخارج عبر المروق
(فتحة صغيرة تحت السقف)، فكلُّ شيء في فن البناء محسوب له ألف حساب.
وعَلَى طاري الصَّردة (برودة الأرض)، تجد مياه
الينابيع (أفلاجا، آبارا) دافئة، يُعجبك ذاك البخار المتصاعِد كأنه يجري تحت حرار هذا
الزمان، لا تنتظر للحرار أن يسخن، فقط عق عمرك في الحوض أو في الجابية أو في ساقية
الفلج، حينها تشعر بلذة المياه وسخونتها الطبيعية.
أمَّا الصِّغيرين (الأطفال)، فتراهم من أول المغرب،
تجد كل واحد منهم رابطا رأسه بمصرِّ الصوف عن الراشح (النسمات الباردة)، أما اليوم
فما يهجيهم عن صَوت الكنديشن؛ يحن ليل نهار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.