مَشَاعِر مُوَاطِن يُحبُّ وطنه ويفتخر بجيشه:
عندما تولَّى مولانا جلالة السُّلطان
المعظم -حفظه الله ورعاه- مقاليد الحكم في البلاد في 23 يوليو من العام 1970م، دَعَا
جلالته حينَها جميعَ العُمانيين بمختلف أطيافهم إلى أن يصطفُّوا لُحمةً واحدة على
قَلب رجلٍ واحد؛ لمواجهة بناء المستقبل وتحدِّياته، وكان من أولويات جلالته -حفظه
الله- بِنَاء جيش قويٍّ يعتمدُ عليه؛ لحماية ترابِ الوطن والذَّود عن حِيَاضه؛ فكانت
توجيهاته لقيادات المجتمع بأنْ يُشجِّعوا الشبابَ للانخراط في القوات المسلحة؛ لتأدية
الواجبِ تِجَاه الوطن؛ فكان له ما أَرَاد، فيدٌ تُعمِّر وتبنِي الوطن، ويدٌ تحملُ
السلاحَ للدفاع عن الوطن وترابه الطاهر.
عِندَمَا سَمِع جَدِّي -رحمه الله- وأبي أوامرَ جلالة السلطان وتوجيهاته،
اجتمعَا بأخِي الأكبر -رحمه الله- فدَفَعا به للالتحاق بإخوانِه في قوات السلطان
المُسلَّحة، وكان ذلك في سبعينيَّات القرن المنصرم، على الرَّغم من تفوقه العلمي
إبان إقامته مع والده في الخارج، للعمل وطلب الرزق والعلم؛ فقال له جدي: "خدمة
الوطن واجب، وأقل ما يُقدَّم له هو التضحية في سبيل الدفاع عن ترابه"، فنفَّذ
أخي رَغبَة جَدِّي وأبي مُطيعًا، ولبَّى نداء القائد محبةً وولاءً، وأدَّى واجبه
بحبٍّ وإخلاصٍ وولاءٍ مع إخوانه في حَرْب ظفار، وأخلَص لوطنهِ وسلطانهِ حتى آخر رَمَق
من حياته.
كُنتُ يومَهَا في مراحل عُمرِي الأولى، ولكن ذاكرته وصُورته الذهنيَّة مَحفُورة
وعالِقَة في القلب، فكُلَّما عادَ من جبهة القتال لزيارتنا كان ذلك بالنسبةِ لنا
عيدًا، خَاصَّة إذا حدَّثنا عن تقدُّم قواتنا المسلحة الظافرة في جبهةِ القتال،
كان جَدِّي وأبِي يتهلَّلان بالحمد والدعاء بأنْ يُكتب لهم النَّصر بقيادة جلالة
السلطان، وكُنَّا نشعرُ حينها بطعم الفرح والسعادة عندما نَسْمَع كلمات الثناء من
أبي؛ لتشجيع وتحفيز أخِي ليبذل مزيدًا من الجَهْد والعَطَاء والوَلَاء لتراب الوطن
وجلالة السلطان، كان يحكي لنا مَصَاعِب وظروف الحرب، وفي الوقت ذاته كان يُحدِّثنا
عن الأمل، ومسيرة التنمية والبناء والتطوير في مجالات الحياة مختلفة.
كَانَ الجيشُ يُدِير الحربَ في ظفار بجَدَارة في مَيْدان القتال، وفي
الوقت ذاته كان يُديرُها إعلاميًّا بحرفيَّة مُتقنة، لرَسْم وتكوين صُورة ذهنية
بواقعيَّة تامَّة عمَّا يحدُث في ظفار، كانتْ سيَّارات الجيش تجُوْب المدن، لتعريفِ
الناسِ بإنجازات قوَّاتنا المسلحة في جبهةِ القتال، وجبهةِ البناء والتعمير
والتطوير.
أذكُر، كُنَّا نتسمَّر أمَام شاشة السينما؛ لمُشَاهَدة الأفلام التسجيلية
والتوثيقية التي كَان يبثها الجيش أمَام الحصن، كُنتُ أفاخِر أقرانِي مِنَ الأطفال
بأنَّ أخي وخالِي ضِمْن هؤلاء الرِّجال البواسل، يخُوضُون الحربَ من أجل رَفْع
راية الحقِّ والوطنِ خفاقة.
بفُضُول سنِّ الطفولة، كُنتُ حريصًا على أنْ أرَى أخِي ضِمْن تلك المشاهد
البطوليَّة، وبعدما ينتهِي الفيلم أرجَع إلى البيتِ بمشاعرِ الفرح والفخر
والاعتزاز، فكُنتُ أحدِّث أبي وأمي بِمَا شاهدت، فمَا أسمع مِنْهُمَا إلا الدُّعاء
للوطن وجلالة السلطان، ولأخِي الغالي وإخوانه في الجيش بالأمن والأمان، وبالصحة
والسلام، مع مَشَاعر ألم خافِتَة في القلوب، لاشتياقِنَا لأخي، وأن يَعُود سالمًا
مُنتصرا، فلم تُوجَد حينها أيُّ وسيلة للتواصل والاتصال، كَمَا عليه وَسَائل
الاتصال اليوم، هَكَذا كَتَب لأخِي أننا نعيش مَعَه حُرقة الفراق والغياب سَوَاء
في فترة عمله في عُمان، أو في خارجها، حتى آخر يَوْم من حياته؛ فكَانَ الغيابَ
الأصعب على أبي وأمي وأهلي ووطني.
في السبعينيَّات أيضًا من القرن المنصرم، أقَامَ الجيشُ ما يُشبه
المناورة في جِبَال قريبة من الكريب، مَكَان يُسمَّى الفنقوع، وبتشجيعٍ من أبي رَكبنَا
مع مجموعةٍ من الشباب سيارةَ الجيش الكبيرة (البيد فورت) لمُشَاهَدة تِلْك العُرُوض
العسكرية، كان لمشهد الطائرات المُحلِّقة، ومسير الجنود بخُطُواتِهم العسكرية
القوية والثابتة منبعُ فرحٍ وفخرٍ لَنَا جميعًا الشباب، أتذكَّر تلك النيران
المشتعِلَة بمُختلف الألوان، تلك الجهود التي كان يعمل على تسويقها أفرادُ الجيش
باحترافية تامَّة، كانتْ لها تأثيرٌ على وَعْيِنا ووجدانِنا؛ لما يُمثِّله التسويقُ
والإعلامُ من أهمية في توعيةِ وتثقيفِ وتبصيرِ الناس بحياتهم، ولِمَا يحدُث في
وطنهم، وكذلك لبثِّ روح الوطنية والانتماء في قلوبهم، وحتى يكُونوا على قَنَاعة ومُتَابَعة
لواقعِهِم ومَصِيرِهم المشترك.
اليوم، وأنَا أُشَاهِد وأتابِع إنجازات قوَّاتنا المسلحة والأجهزة
الأمنية والمدنية الأخرى المُشَارِكة في تمرينيْ "الشموخ 2" و"السيف
السريع 3" في مُختلف وَسَائل الإعلام العُمانية والعالمية، وكذلك عَبْر وسائل
الاتصال والتواصل الاجتماعي، أشعُر بالفخر والاعتزاز بما وَصَلتْ إليه قوَّاتنا
المسلحة، وأجهزة الأمن، ومُؤسَّسات الدولة الأخرى.
فمِثْل هَذِه التمارين العسكرية والأمنية، لها مردودٌ إيجابيٌّ إستراتيجيًّا،
وتُسهم بكفاءة وفاعلية في إبراز مُؤشرات مهمة، فيما وصلتْ إليه مسيرة البناء
والتطوير لقواتنا المسلحة، وبما يُؤكِّد على عمليات التكامُل والتعاون والانسجام
بين كَافة قِطَاعات وشُرَكاء التنمية في مُختلف الأحوال والظروف، وفي الوقت ذاته
هي ضَرُورة للوقوف على جَاهزيَّتها، وكَفَاءة وفاعلية إمكانيَّاتها وقدَرَاتها؛ سعيًا
للعملِ على تعزيزها وتطويرها؛ بما يُلبِّي أهدافنا وغاياتنا الوطنية، وواقعنا
المعاصِر والمستقبلي، ويَحْفَظ أمننا ومُقدَّرَاتِنا، وإنجازات وطننا الغالي
عُمان، وتنميته الإنسانية المتواصلة والمستدامة.
مَا يقومُ بهِ التوجيهُ المعنويُّ بوزارة الدفاع ضِمْن خطتهِ الإعلامية،
وكذلك وَسَائِل الإعلام المختلفة، ضِمْن منظومةٍ إعلاميةٍ وطنيةٍ مُتَكامِلة ومُنسَجِمة؛
لتسويقِ وتغطيةِ أحداثِ هذا التمرين، بمُختلف مراحلِه ومستوياته، وتواصله الدائم
بواقعية وشفافية مع الرأي العام؛ حتى يكون على بَصِيرة من أمر ما يحدُث، ينمُّ عن
وعي وإخلاص وتفان، وتطور مهني ومعرفي، ووعي كبير ومتسارع لأهمية ودور الإعلام في
مجال القطاعات: العسكرية، والأمنية، والمدنية. وهذا ليس بغريبٍ على التوجيه
المعنويِّ؛ فهو يمتلكُ قيادة وخبرة تراكمية لعقود طويلة من الزمن.
فتحيَّة مَحبَّة وإكبَار وتقديرٍ لجميع أبطالنا أفراد قوَّاتنا المسلحة
وأجهزتنا الأمنية والمدنية المختلفة، وكذلك لجَمِيْع وسائل الإعلام المقروءة
والمسموعة والمرئية والإلكترونية، على كلِّ ما يقُومون به من جَهْد وتضحِيات،
وتغطية إعلامية وتوثيقية وتسويقية راقية ومتطورة؛ لجَعْلِنا نعيش معهم واقعَ
التمرين، وأحداثه، وتفاصيله الميدانية.
فهُم بحَق يكوِّنون في نفوسنا ومشاعرنا صورةً ذهنيةً نفتخرُ ونفاخرُ بها،
ويُوقدون في وجداننا رُوْح الحبِّ والإخلاصِ والولاء؛ لأنه بوحدتنا وتآلفنا وتضافُر
جهودنا، وبفَضْل قيادتنا الحكيمة، وعزيمةِ وقوَّة بواسلنا الأبطال في مُختلف
الميادين نَنْعَم بخيرات ومنجزات عظيمة، وسنعيشُ -بإذن الله وفضله- في استقرارٍ
وأمنٍ وأمانٍ وسلام. حَفِظ الله عُمان، وقائدها الملهم جلالة السُّلطان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.