(فِي ذِكْرَى وفاةِ
الوالِد خَلْفَان بن مُحمَّد السِّيابي)
لم يمرُّ سوى نَيف من الشُّهور حتى لَحِق بأخيه؛ فكان فراقُه صدمةً كبرى لمشاعره،
كَيْف لا والأخُ هو العضيدُ والسَّند في هذه الحياة، وفراقُه لا يُعوِّضه أحد مهما
كان، خاصَّة إذا كان تواصُلهما مُستدامًا، تجمعها الأيَّام على الحُلوة والمرَّة،
ومُكابدة تقلبات الزمن وتدافُع الناس من أجل تحقيق هدفِ الحياة وغاياتها.
اتَّصَف -رَحِمه الله- بالتواضُع وحبِّ الناس، كان مُتمسِّكا بقيم جميلة
في حياته، تشعُر بها مُباشرة متى ما بَادَرك بالسَّلام واللقاء، كان مُبتسما بشوشًا
مَرِحًا، يحبُّ الحياة، يَلْقَى الجميع بوجهٍ سمحٍ ومشرق، يُشعرك بالراحة
والاطمئنان متى ما تحدَّثت إليه.
امتهَن الزراعة فعَشِقها، فقضى جلَّ عمره في عمل لا يعرف قيمته إلا من
أخلَص للأرض؛ فالمُزَارِع عندنَا يحنُّ إلى تُراب أرضِه حتى وهو على فراش المرض،
هكذا كان حتى آخر يوم في حياته، لم يترُك لقاءَ الزرع يومًا حتى في أحْلَك الظُّروف؛
فكانتْ الزِّراعة بالنسبةِ له سرَّ الحياة وبلسَمَها.
كانَ -رَحِمَه الله وغَفَر له- مواظبًا على الصلاةِ في مسجد القرطيّة بشَوْق
شديد؛ ذلك المَسْجِد الذي كان لي فيه ذِكْرَى جميلة مع أوَّل صلاة أدَّيتها في
مرحلةِ طفولتِي الأولى.
كانَ -رَحِمَه الله- قلبُه متعلِّقا بذلك المسجد، مُلَازمًا فيه؛ ففي كلِّ
صلاة تجده أوَّل من وَصَل للصلاة، يأخُذ مقعدَه في زاوية من المسجد في هُدوء
وسكينة، يُحيك ويَسْأل عن أهلك وأحوالك بتواضع الكبار، الابتسامة دومًا لا تفارق
محيَّاه، لا تشعر بألمِه وحزنِه على الرَّغم من مرضِه ووَقْع فراقِ الأخ عليه. وفِي
وقت فراغه، يتدارس مع جيرانِه أحوال الزراعة ومُستجداتها؛ في جوٍّ تملؤه البهجة
والمحبَّة والمرح، مُحَاطَة بمشاعر الإلفَة والتعاون بين الجميع.
كَانَ وَدَاعُه مؤثِّرا جدًّا على كلِّ من عرفه وتعامَل معه، وعِند دخولِك
إلى مَسْجد القرطيّة تشعُر بحنينِ المكان إلى ذكرياته العَطِرَة وتجلياتها.
لَن يَنسَاك الجميعُ يا أبَا حَمَد، ستبقَى ذِكْرَاك وأعمالك مَاثِلة
أمامَ الجميع مَتَى طالَ الزمن؛ فالحياةُ تمرُّ وتنتهِي، ويرحَل كلُّ من عليها،
ولكنَّ الذكريات الطيبة تبقَى مُشْرِقة لا تغيب.
قريات/ المعلاة: 5/ 10/ 2018م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.